(مكة) – عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي
ولد في صبيا بجازان وتشرّب منها الأصالة والصلابة والإصرار على مواكبة الطريق رغم ما فيها من عثرات وتشرّب من معلميه في الكتّاب محبة القراءة والتعليم، فغدا معلمًا صغيرًا يرى نفسه على الأطفال من سنّه متفوقًا عليهم مدرسًا لهم، ثم شبّ ونما حتى غادر إلى مكة المكرمة في الخامسة عشرة من عمره، دون أن يبالي بدموع أمه التي استمرت طويلا تنهمر على فراقه ولم يعرف قيمتها الحقيقية إلا عند الإنجاب ليستدرك ما فاته ويعي ما قلب الأم والأب من حبٍ وعشق لفلذات أكبادهم.
واستمر مشوار العمر والعلم مرورًا بمصر التي أدرك فيها أن العالم أكبر مما كان يتخيل ثم إلى الولايات المتحدة التي تعرف فيها على أصناف مختلفة من البشر، والمال الذي يسبحون لأجله ليلا ونهارا، فعلى ما كان فيه من مظهر حضاري إلا أنها في نظره كانت خاوية على عروشها فارغة من القيم الإنسانية.
وعاد إلى وطنه ليعمل مدرسًا جامعيًا كما تمنى وأحب، ثم جاءته المفاجأة بتعيينه وزيرًا للدولة وعضوا بمجلس الوزراء الذي قال فيه إن العمل ثماني سنوات تعادل ربع قرن من العمل في مجال التعليم الجامعي، إنه ضيف هذا اللقاء وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء سابقاً الدكتور مدني بن عبدالقادر علاقي:
1- معالي د. مدني علاقي نرحِّب بكم عبر (صحيفة مكَّة الإلكترونيَّة).
أهلًا وسهلًا بكَ أخي عبد الرَّحمن، وأهلًا ومرحبًا بـ(صحيفة مكَّة الإلكترونيَّة).
2- تغنَّى الشُّعراء بـ(صَبْيَا) حُبًّا وطربًا .. أنتم بأيِّ حُروف العشق تغنَّيتم بها؟
مدينة (صَبْيَا): قالها الشَّاعر إبراهيم خفاجي – رحمه الله -: ((مِثْلُ صَبْيَا فِي الْمَغَانِي مَا تْشُوْف)).
وهي بحقٍّ مدينة الأنسِ والسُّرور .. وهي بحقٍّ لؤلؤةِ منطقةِ (جَازَان).
هذا المؤرِّخ والشَّاعر الكبير محمَّدُ بنُ أحمدَ العقيليُّ يبثُّ أشجانَه نحوَ هذه المدينة الحالِمَة قائلاً:
دون العقيق وتحت السِّدر والطِّيبِ … مرأى تتوق إليه النَّفسِ في رغبٍ
زُمُرديِّ الحواشي حيثُ ما نظرت … عيناكَ منه بدا في منظرٍ عجبٍ
والأرضُ قد لَبِستْ أفواقَ زينَتَها … مرموقةُ الحُسن في أثوابها القُشُبِ
أمَّا أنا فإنَّني أصبو إلى (صَبْيَا) كلَّما لاح برقُها .. وأَزْبَد سيلُها .. وأخضرَّت أرضُها.
3- من باب الْمُدْرُجْ الصَّغير في القرية إلى باب المنزل الكبير في المدينة؛ هل هناك ثمَّة شبهٌ؟
الْمُدْرُجُ: هو رمزُ الأُلفة والمودَّة بين الجيران في بيوت منطقة (جازان). ومنه يتسلَّل الكبار والأطفال إلى جيرانهم. هو مدخلٌ صغيرٌ دون ساتر. هذا الْمُدْرُجُ يمثِّل روعةَ العلاقات الإنسانيَّة في ذلك الزَّمن. أمَّا الباب الكبير اليوم؛ فهو رمزُ التَّباعد والاستقلاليَّة. الْمُدْرَج يجمع والباب الكبير في زمننا هذا يفرِّق.
كتاب الفقيه
4- كُتَّاب (الفقيه أحمد) هل ما زالت كامل تفاصيلها باقية في الذَّاكرة؟
ما بقي من كُتَّاب (الفقيه أحمد) – رحمه الله – في ذاكرتي هو ذلك الشَّيخ الوقورُ إمام المسجد الَّذي نذر حياتَه كلَّها للقرآن، وتعليم الصِّبيان في (حي المِسْطَاحِ) مبادئ القراءة والكتابة من خلال لوحٍ خشبيٍّ صغيرٍ مدهونٍ بسوادِ القَطِرانِ.
كان هذا اللُّوح يعطيني وأنا في ذلك السِّنِّ الطُّفوليِّ شعورًا بأنِّي سأُصبح يومًا مثل (الشَّيخ أحمد) فقيهًا، مبجَّلًا، أُعَلِّم الصِّغارَ، وأتقدَّم للصَّلاة بالكبار.
ولقد تحقَّقتْ رغبتي حينما وصلتُ إلى المستوى الخامس والسَّادس الابتدائيِّ في أنْ أُعَلِّمَ الأطفالَ من أقربائي وجيراني بعضَ دروسِ الخطِّ والإملاء. هذا كان يملأني بالشُّعور بالزَّهو والغرور، وأحاول أن أقلِّد الفقيه أحمد، وأساتذتي في سلوكيَّات المعلِّم.
مجلس الوالد
5- مجلس والدكم الأَدبي الأستاذ عبد القادر علاقي – رحمه الله – ما حظْوتُكم منه؟ وهل له تأثيرٌ في مسيرة حياتكم؟
المجلس الأدبي للوالد – رحمه الله – هو الَّذي ألهمني المعنى الحقيقي للكتاب، وطريقة إدارة دفَّتيه أثناء القراءة، ثمَّ تحديد نقاط التَّوقف، والعودة لإدارة صفحاته. كانت كتب ذلك الزَّمان إمَّا قصَّة، وإمَّا شعرًا، وإمَّا تاريخًا. ليس هناك اقتصاداً، ولا سياسة، ولا فلسفة. هذه ثقافة الرَّاديو الَّذي كان نادرَ الوجود إلَّا عند عِلْية القوم.
اليوم وأنا أتذكَّر مجلس والدي – رحمه الله – وأصدقائه أستعيد كيف كانوا يتلذَّذون بما في هذه الكتب رُغْم أنَّ بعضهم لا يكاد يُجِيد القراءة والكتابة، ومع ذلك كانوا يناقشون، ويستخرجون المعاني الحقيقية للقصَّة أو المقطوعة الشِّعريَّة. كانوا جميعًا – رحمهم الله – أُدَباءَ دون دراسة أو مدارس، كانوا خريجي الكتاتيب.
أستطع القول أنَّ من أفضال مجلس والدي الأدبي عليَّ اليوم أنَّني أعشق القراءة وفي كلِّ المجالات، ولديَّ مكتبة منزليَّة أقضي بها أحلى الأوقات وأمتعها.
مدارس القرعاوي
6- الشَّيخ عبدالله القرعاوي – رحمه الله – إذا حضر اسمه في المنطقة حضرت على ذِكرَاه المعاهد العلميَّة، وأنتم ما الَّذي يحضرُ في ذاكرتكم عنه؟
كان التَّعليم في منطقة (جازان) وكبقية المناطق في أدنى مستوياته قبل توحيد المملكة تحت قيادة المؤسِّس الملك عبد العزيز – رحمه الله -، وكانت المدرسة العزيزية الابتدائية هي أُولى المدارس في مدينة (جيزان العاصمة)، ثمَّ تبعتها مدرستان في (صَبْيَا)، و(أبي عريش). أمَّا بقيَّة المدن والقرى والهِجَر؛ فلم يكن بها تعليمًا لكن بها أُدباءُ، وشُعراء، وأناسٌ توَّاقون للعلم والتَّعلُّم. لم تكن هناك دراسات دينيَّة متعمِّقة، ولكن كان هنا متديِّنون ممَّن يحفظون القرآن، والحديث، ويعلِّمون الصِّغار مبادئ الدِّين. وحينما استدرك القائمون على شئون الدَّولة حاجة المنطقة إلى تعليم دينيٍّ مكثَّف انطلاقًا من الفقه السُّنيِّ، والتَّأكيد على المذهب (الحنبلي) قيَّض الله للمنطقة ذلك الفقيهَ العالمَ نادرةَ زمانه الشَّيخَ (عبد الله القرعاوي) – يرحمه الله – (من أهل نجد)؛ ليقود التَّعليم الدِّينيَّ في المنطقة مُركِّزًا على المدن الصَّغيرة، والقرى في تهامة جازان، وجبالها الوعرة. وكان أن اتَّخذ من (مدينة صامطة) مركزًا للمعاهد العلميَّة تعليمًا وإدارة. كان هذا النَّوع من التَّعليم متخصِّصًا في برامجه، ومُركِّزًا على وجه التَّحديد على الدِّراسات القرآنيَّة، والفقه، والتَّوحيد، والحديث، مع قليل من العلوم الاجتماعية.
كان الشَّيخ عبد الله – رحمه الله – دؤوبًا في عمله، متحرِّكًا وليس ثابتًا. كان يجوب السَّهل والجبل بحثًا عن أماكنَ صالحةٍ؛ لإنشاء المعاهد. كانت مهمَّة شاقَّة وخاصَّة في منطقة الجبال في فيفا، والريث، وبني مالك، ومع ذلك فقد تغلَّب على هذه المشكلة في جلب طلاب هذه المناطق الوعرة إلى مدن السَّهل؛ للتَّعليم بمعاهدها.
تخرَّج من معاهد الشَّيخ القرعاوي المئات من الأفذاذ، ومنهم اليوم رجال علماء في المرافق العليا في الدَّولة مثل هيئة كبار العلماء، والمحكمة العليا، ومجلس الشُّورى، والجامعات الإسلاميَّة في الرِّياض، والمدينة المنوَّرة.
وأتذكَّر أحدَ أساتذتي المتخرِّجين من هذه المعاهد وهو الشَّيخ العالم البارز (الحافظ بن أحمد الحكمي) فقيه زمانه في تلك الحقبة، والذي توفَّاه الله في مقتبل عمره – رحمه الله -، وكان من شدَّة إعجاب الشَّيخ القرعاوي بنبوغِ هذا الرَّجل أن زوجه ابنةً له؛ ليكون رِدفًا وسندًا له في مهمَّته التَّعليميَّة التَّنويريَّة.
7- نشأتكم كانت ذات ملامح مختلفة، وتحت ظلِّ ظروف حياتية متفاوتة ما أثَّر ذلك في تكوين شخصيتكم؟
تبلورت شخصيَّتي نتيجة العديد من المؤثرات:
1. الاغتراب المتواصل.
2. السِّنُّ، حيث بدأتُ الانفصالَ عن أسرتي وأنا في الخامسة عشر من العمر.. سِن طفولتي تقريبًا.
3. البيئة الَّتي كنتُ أتلقَّى العلم فيها.
4. البَشَر الَّذين كنتُ أتعامل معهم؛ كأساتذةٍ، ورؤساءَ، وتلاميذٍ، وأندادٍ في العمل.
5. ملامح التَّأثير الكبير لشخصيَّات والدِي ووالدَتي وأخي الأكبر السَّفير محمَّد علاقي – يرحمهم الله جميعًا -.
السفر إلى مكة المكرمة
8- ما بين موافقة الوالد وعدم رغبة الوالدة – رحمهما الله – للسَّفر لمكَّة المكرَّمة؛ بغرض استكمال الدِّراسة كيف نستطيع وصف مشاعر الابن مدني وقتها؟
لا شكَّ أنَّني كنتُ قاسيًا على والدَتي حينما بدأتُ التِّرحال من أجل التَّعليم مرحلةً بعد أخرى. لم يظهر لي ذلك إلَّا بعد أن كوَّنتُ أسرةً وأصبح لي أبناء، وأحفاد هنا أدركتُ معنى الأُمومة والأُبوَّة. كلَّما أتذكَّر هذه الفترة التي كانت والدتي تذرف الدَّمع فيها غزيرًا، كلَّما دمعتْ عيناي أسفًا وحُزنا على والدَتي – رحمها الله – هذه مرحلة صعبة، ومعادلة صعبة. أنا يغمرني الفرح للسَّفر إلى مكَّة المكرَّمة؛ للتَّعلُّم، وهي – رحمها الله – يغمرها الأسى والحزن.
والدِي – رحمه الله – كان مِقدامًا في تيسير مساري التَّعليمي في كلِّ المراحل، ومع ذلك كان شغوفًا وشفوقًا على والدَتي .. وهو يراها باكيةً يائسة. كان دائمًا ما يُذكِّرُها في كلِّ مرحلة تعليميَّة أجتازها وبلد أسافر إليه، كان دائمًا ما يقول لها: (دعيه يكمل دراسته، ويبني له مستقبلًا زاهرًا)، لكنَّه لم يرَ – رحمه الله – لحظةَ حصولي على درجة الدكتوراة، ولا تَشرُّفِي وتَشرُّف الأسرة بالوزارة.
القاسم المشترك
9- من مكان ولادة، إلى تعليم عامٍّ، ثمَّ تعليم ما فوق الجامعي كانت حاضرة في الموقف: صبيا، وجازان، ومكَّة، والقاهرة، وأمريكا هل هناك قاسم مشترك في هذه الرِّحلة المرهِقة؟ وهل الدَّهشة كانت حاضرة أيضًا في هذا الموقف؟
ما كنتُ أجتاز مرحلةً دراسيةً حتَّى أتطلَّعَ إلى الَّتي أعلى منها، فالمرحلةُ الابتدائية في جيزان، والمرحلة المتوسطة والثَّانوية في مكَّة المكرَّمة، و البكالوريوس في (إدارة الأعمال) من جامعة القاهرة، والماجستير والدكتوراة من جامعة (أريزونا) في أمريكا في (الإدارة) كلُّ مرحلة من هذه المراحل أضافت إلى شخصيَّتي نُضجًا وتفهُّمًا للحياة.
لك أن تتصوَّرَ كيف كانت مشاعري، وكيف كان تفكيري، وسلوكي وأنا انتقل من بيئة ثقافيَّة إلى أخرى أعلى منها رقيًّا وتقدُّمًا ومعرفة. فجأة وبدون إحساس بالزَّمن تغيَّرت مشاعري وأهدافي وأسلوب تعاملي مع الآخرين أصبحتُ لا أُقدِم على خطوة إلَّا بعد تفكير عميق، وطلب المشورة من الأهل والأصدقاء.
في صبيا وجيزان كنتُ طفلاً، وفي مكَّة المكرَّمة بدأت أعرف، وأعرف، وأتعلم. المدارس بها لجان ثقافيَّة، وصحف حائط، ومسامرات، وهناك مكتبات للصُّحف والمجلَّات، وهناك أعراق من شعوب أخرى. كلٌّ يَجرُّ ثقافته معه.
أمَّا في مصر؛ فقد بدا لي العالم واسعًا جدًا. بَشَرٌ لا يُحصى عددُهم، شوارع واسعة، وحدائق غنَّاء، وجامعات، وسينما، ومسرح.. ثمَّ كانت القفزة الكبرى (أمريكا) فما إن وصلت مدينة نيويورك حتَّى بدا لي أنَّ المدينة بأسرها محجوبة عن السَّماء ! والأرض غارقة في الماء الَّذي يحيط بها من كلِّ زوايا المدينة. أمواج من البشر، وأمواج من السَّيارات، وناطحات سحاب لا ترى نهايتها. وفوق ذلك وأسوأ منه جفاف في المعاملة، ورداءة في السُّلوك والعاطفة !.
10- قلتم في إحدى لقاءاتكم الإعلامية: (أعتقد أنَّ الزَّمان لن يجود بمثل أساتذتنا..!) في هذه العبارة الكثير من الفخر مع بعض الأسى.. كيف يمكن أن نوفِّقَ هنا بين هذين المتناقضين؟
فعلًا، لن يجودَ الزَّمان بمثل أساتذتنا. كانوا معلِّمين مربِّين. كانوا يعرِفُونَنا ويعرفون آباءنا وأُسَرَنا، وحتَّى المنازل الَّتي نسكن بها. كانوا إلى جانب عشقهم لدور المدرس والمدرسة تملأ قلوبهم الرَّأفة، و شخصياتهم المهابة.
نعم أنا أفخر بأساتذتي في الابتدائية، والمتوسِّطة، والثَّانوية، والجامعة. هؤلاء الأفذاذ علمونا العلم، والسلوك، وحسن التَّصرف.
أين مدرس اليوم من براعة مدرسي الأمس؟ هذا هو الأسى الذي يدركه أولياء الأمور اليوم !.
من هو السَّبب في ذلك؟ هل هي مناهج الدِّراسة؟ أم مدارس الحياة الَّتي طغت على المجتمعات وأصبح النَّاس يلهثون وراءها بما فيهم المدرِّسين في كافَّة مراحل التَّعليم؟
11- الأَساتِذَة: محمَّد سالم باعشن، محمَّد عطيَّة، عثمان شاكر، محمَّد فدا، محمَّد الشبل، محمود بليلة، محمَّد عايش، علي بن أحمد عمر، أحمد حربي، أحمد بالبيد، وغيرهم – يرحمهم الله -، والأستاذ حسن أشعري – أطال الله في عمره – ماهي الرِّسالة الَّتي تودُّون تحرير سطورها عن هؤلاء الأفاضل بعد كلِّ هذا الوقت؟
هؤلاء أساتذتي، وأنا تلميذهم بالأمس، واليوم، وغدا. تعلَّمت منهم العلم، والأخلاق، والسُّلوك الحسن. كانوا في زمانهم ثروة وكانوا قدوة.
حينما كنت وزيرًا أتيحت لي فرصة لزيارة منطقة جازان في عام 1418هـ بدعوة كريمة من وزير المعارف – آنذاك – الدكتور محمَّد بن أحمد الرَّشيد – رحمه الله – والالتقاء بالنَّابغين من طلابها. حرصت على أن التقي بأساتذتي في المدرسة الابتدائية وزملائي، كنتُ فخورًا بهم وخجولًا وأنا أقف وسط أستاذي محمَّد عايش، وأستاذي أحمد حربي وهما من بقي من أساتذتي في العزيزيَّة الابتدائيَّة – رحمهما الله – تذكرتهم وهم يدخلون فصول المدرسة وفي أياد بعضهم العصا رمز الانضباط والتَّقويم. فرحتُ بوجودهم وكأنَّني أقول لهم: (ها أنا معكم.. غراس تعليمكم وتربيتكم).
أساتذتي في مكَّة المكرَّمة – رحمهم الله – وأطال في عمر أستاذي حسن أشعري هم الفخر والرَّمز والقدوة لأساتذة الأجيال من بعدهم : محمَّد عبدالصَّمد فدا، ومحمَّد سليمان الشبل علمين بارزين في الإدارة والتَّعليم والتَّربية. كم من الأجيال الماضية والحاضرة كان لهم شرف التَّعلم على أيديهم. هناك وزراء، وسفراء، وقادة عسكريون، ورجال أعمال، وشخصيات مجتمع بارزة.. هؤلاء هم النَّبتة الَّتي غرسها هؤلاء الأساتذة العِظام وأهدوها للوطن.
12- قلتم سابقًا : تفاجأت باختياري وزيرًا.. وأنَّ رغبتكم المأمولة رئاسة الجامعة .. هل ترى أنَّ الجامعات كانت قادرة على تحقيق طموحاتكم البعيدة خاصَّة في ظلِّ المراكز العالميَّة ووفقاً لمصادر إعلامية، والمخيِّبة لتوقعات المجتمع آنذاك، إضافة للجنة البحوث العلميَّة لعموم الجامعات في عدم توصلها للقاح فاعل لفايروس (كورونا) حتَّى اللَّحظة؟
أوَّلًا: لم تكن الجامعات السُّعوديَّة مخيِّبةً للآمال وتوقُّعات المجتمع لا عند بدايتها، ولا في عهدنا هذا. الجامعات السُّعوديَّة اليوم تحتلُّ المقدِّمة في التَّصنيف العالمي، وخريجوها يُقبلُون في أعرق وأرقى الجامعات في العالم.
حينما بدأ التَّعليم الجامعي في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في السَّبعينات من القرن الرَّابع عشر الهجري بكليَّتي الشَّريعة والتَّربية في مكَّة المكرَّمة، ثمَّ جامعة الملك سعود بالرِّياض كانت الغالبيَّة العظمى من أعضاء هيئة التَّدريس من الإخوة العرب. انظر اليوم إلى إمكانيَّات الجامعات السُّعودية وقارن، ثمَّ لاحظ الفرق بينها وبين جامعات ذلك الزَّمان. إمكانيات البحث العلميِّ، والدِّراسات العليا، و المكتبات، والمعامل، ثمَّ ميزانيات الجامعات اليوم تفوق الجامعات التي سبقتنا في عالمنا العربي والإسلامي.
أساتذة الجامعات اليوم هم الَّذين تخرَّج ويتخرَّج من تحت أيديهم، وعلمهم، وأفكارهم قادة المملكة الَّذين يُديرون مرافقها الاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، والإعلاميَّة ناهيك عن الطِّب، والهندسة، والتَّقنية الحديثة.
تأمل اليوم ونحن نعيش (جائحة كورونا) كيف تُدار مرافق الدُّولة بتكنولوجيَّة العصر الشبكة العنكبوتيَّة. كلُّ أطبائنا، ومعاملنا، و مدارسنا، وجامعاتنا، ومرافقنا الحديثة كلُّها تُدار اليوم بلمسة أو نقرة على أجهزة الاتِّصال المرئي، والمسموع. هؤلاء البشر هم حصاد جامعاتنا وتعليمنا. الحكومة الإلكترونيَّة الَّتي تدير شؤون الدَّولة ومرافقها هي بلا شكٍّ من حصاد التَّعلم الجامعي في بلادنا ومن الخارج.
أكرِّر أخي عبدالرَّحمن إنَّ اتهام جامعاتنا بعدم الواقعيَّة سواء كان ذلك في بدايتها أو في عصرنا هذا هو تجنِّي لا ينبغي أن تُلام به جامعاتنا، إلَّا إذا كان صادراً من أناس متخصِّصين ومدعَّم بالأرقام والإحصائيات.
انظر حولك اليوم، ونحن نعيش (جائحة كورونا) دول العالم وجامعاتها لم تستطع حتَّى السَّاعة الوصول إلى اللقاح، أو العلاج، وبعض هذه الجامعات أُسِّست منذ مئات السِّنين، ونحن هنا بمقدراتنا الحاليَّة في السُّعوديَّة استطعنا أن نقوم بإنجازات؛ لمواجهة هذا الوباء بشكل أثار إعجاب الدُّول والشُّعوب.
جامعاتنا كانت وستظل – إن شاء الله – مصانع الرِّجال، وينابيع العلم والمعرفة. أنا أفخر بجامعاتنا، ويحقًّ لي أنا وغيري، والمجتمع ككلٍّ أن نفخر بها وأن ندعمها قولًا وعملًا.
13- (إدارة شؤون الطَّيران) أثناء عملكم في الخطوط الجويَّة السُّعوديَّة وقبل الانتقال للجامعة هل هذه إشارة لتعلقكم بعالم الطَّيران؟
لم أُفكِّر أبدًا في الطَّيران لا إدارة ولا تطبيقًا. كان عملي في المؤسسة العامة للخطوط الجوية السُّعوديَّة بمحض الصُّدفة. حينما عدت إلى مدينة جدة بعد تخرجي من كلية التجارة بجامعة القاهرة في مصر في عام 1384هـ بدأت رحلة البحث عن الوظيفة. في ذلك الزَّمن كانت الوظائف متاحة بكثرة.. منها العمل ببنك الرِّياض بجدة، أو وزارة الماليَّة بالرِّياض. كنت أريد وأرغب العمل في جدة. أخبرني أخي محمد السَّفير في وزارة الخارجية – رحمه الله – أنَّ الشَّيخ أحمد صلاح جمجوم رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية السُّعودية يبحث عن خريجي الجامعات؛ لابتعاثهم إلى بريطانيا؛ للتَّدريب على إدارة شؤون الطَّيران، ثمَّ العودة للعمل في الخطوط السُّعوديَّة في قطاعاتها الإدارية المختلفة. كان خيارًا جيِّدًا من حيث تعلُّم اللُّغة الإنجليزية، ثمَّ وظيفة مضمونة. بعدها صدر قرار التَّعيين والابتعاث في يوم واحد وبعد أسبوع من القرار كنت في مدينة، (رامِسجيت) جنوب إنجلترا مع عشرين زميلا ندرس اللُّغة؛ استعداداً؛ لدراسة شؤون إدارة الطَّيران في مدينة لندن لاحقًا.
14- هناك مقولة قديمة ذات مغزى تقول: (الَّذين يعلمون لا يتكلَّمون، والذين يتكلَّمون لا يعلمون) كيف ترون هذه المقولة من خلال أداء مهامكم الوزاريَّة السَّابقة؟
هذه العبارات ليس شرطًا أن تكون مرتبطةً بعملي الوزاري فقط. عملي في الوزارة كان آخر مراحل حياتي العمليَّة.
تأمل العبارات التَّالية؛ لتقدير الإجابة على سؤالك:
رُبَّ متعلِّم نطق بجهل، ورُبَّ جاهل نطق بحكمة.
يقال لبعض كثيري الكلام، وقليلي العلم (يَهْرِفُ بما لا يَعرِف).
كم من كلمة أوردت صاحبها الهلاك (حتَّى لو كان عالماً).
الصَّمت أحيانًا مع العلم يؤدِّي رسالته، وأبلغ من الكلام، وأشدُ أثرًا.
إذا اجتمع العلم والمنطِق فإنَّ هذا قمَّة العطاء.
إنَّ من الأدب والكياسة أن لا تُظهر لرؤسائك أنَّك أكثر علمًا، وأكثر فهمًا منهم حتَّى لو كنت صادقًا. دعهم يُقيِّمون عملَك ومنطقك. وأعلم أنَّه من الأمانة أن تؤدِّيَ عملك ببراعة حتَّى ولو كنت غير عالمٍ، أومتعلِّمٍ.
15- الثِّقة تلك المنحة الإنسانيَّة الَّتي لا تُعطى إلَّا في أضيق الحدود.. كيف وقد مُنِحت لكم من القيادة العليا.. ما أبعاد تلك الثِّقة لحظة إبلاغكم بتسنُّم منصب وزير الدَّولة؟
كلمات جالت في خاطري حينما أبلغني الشَّيخ إبراهيم العنقري المستشار الخاصُّ لخادم الحرمين الشَّريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – يرحمهما الله – بالأمر الملكِيِّ بتعييني وزيرًا للدَّولة وعضوًا بمجلس الوزراء: (هذا تكليف شُرِّفت به، و تشريفٌ كُلِفت به، وأرجو أن أكون عند حسن ظنِّ خادم الحرمين الشَّريفين يحفظه الله).
16- تتعدَّد مهام وزير الدَّولة ما بين تمثيل الدَّولة، والاستشارة، وما بين العمل في اللِّجان العامَّة، واللِّجان الفرعيَّة في أيِّ هذه المهام وجدتم نفسكم؟
أنا لا أُميِّز بين عمل وآخر. اجتهدُ فيما يوكَل إليَّ من مهمات بغضِّ النَّظر عن طبيعتها وموقعها، لكنَّها جميعًا كانت تجارب مثمرة وشيقة.
17- بمناسبة تمثيلكم الدَّولةَ في مهامَّ رسميَّة خارجيَّة والالتقاء برؤساء دول، وسياسيين، وغيرهم هناك مقولة للفيلسوف (أرسطو) مفادها: (أنَّ الفعل السِّياسي ليس نتاج معرفة بقدر ما هو مرتبط بغرائز التَّملُّك والبقاء والسَّيطرة والعدوانيَّة) هل تؤيدون هذه المقولة؟ وكيف ترونها؟
تمثيلي للمملكة في عدَّة مهامٍّ خارجيَّة لم يكن سياسيًا إلَّا في حالات نادرة. كان بروتوكوليًا بالدَّرجة الأولى. لكنَّني أعتقد إجمالًا أنَّ العمل السِّياسي لا يخلو من الصِّفات التي أشار إليها (أرسطو) في السِّياسة.. البقاء للأصلح والأقوى.
18- السِّياسة والاقتصاد.. أو الاقتصاد والسياسة من يقود الآخر بصراحة؟
في رأيي ومن ملاحظاتي الَّتي تأكَّدت الآن في أزمة العصر (جائحة كورونا) أصبح الاقتصاد هو الهاجس، وهو المحرِّك لكثير من القرارات الَّتي تتَّخذها الدُّول؛ لمواجهة الأزمة. لا وجود للسِّياسة في هذه المعركة. الدُّول الكبرى خاصَّة مشغولة بآثار (كورونا) على الإنتاج، العمل، الأسواق، ومستقبل العولمة. الأوضاع الاقتصاديَّة في العالم بعد كورونا ستكون موقع الصِّراع وهي التي ستقود إلى الحروب بأشكالها المختلفة.. صراع من أجل البقاء.
19- مررتم بمحطَّات عديدةٍ في الحياة سواء في الانتقال لمكَّة المكرَّمة مبكِّرًا، أو في السَّفر للخارج، ومن ثمَّ بمجلس الوزراء الموقَّر أيُّ هذه المحطَّات توقَّف التَّأملُّ عندها كثيرا؟ ولماذا؟
الجامعة بلا شك. أمضيتُ في التَّعليم الجامعيِّ خمسة وعشرين عامًا في كلِّ قطاعاتها. التَّدريس، والبحث، و الإدارة. وقد اجتهدت في كلِّ ما أُوكِل لي من عمل. وثروتي الحقيقية اليوم هم تلاميذي الَّذين ساهمت في تعليمهم وتخرجهم من الجامعة ومن كلِّيَّة الاقتصاد والإدارة. ومنهم من خدم ويخدم وطنه في كلِّ (مرافقها) الحكوميَّة والأهليَّة.
إنَّني أفخر اليوم بكلِّ تلاميذي المتميِّزين منهم و المجتهدين. تغمرني السَّعادة وأنا أرى بعضهم قد تبوؤا المناصب الوزارية في الدَّولة، وإدارة الجامعات، وسفراء للوطن في بقاع من العالم.
20- الباحث د. علي عوض شَرَاب اهتم بدراسة فكر الحكماء وانتهى بتصميم منهج (الطَّريق إلى الحكمة) هل الإنسان في هذا العالم ضلَّ الطَّريقَ أساسًا؟ ويقول أيضًا: (العالم لا ينقصُه الذَّكاءُ، ولكن تنقصُه الحكمة) ما تعليقكم؟
لا شكَّ بأنَّنا نتحاور مع فكر نَيِّر، وفيلسوف متمكِّنٍ. الدكتور (علي عوض شَرَاب) هو حصيلة خليط من العلوم، والثَّقافة، والإدارة، وعلم النَّفس، والقيادة الإدارية. وهو من هذه الوجوه المتعدِّدة يقدِّم منهجًا جديدًا في التَّعليم، والتَّدريب يقوم على كيفية الوصول بالعمل الإنساني إلى (النَّجاح المستدام). ولكن كيف يتحقَّق هذا النَّجاح؟ هل يكفي في ذلك الإنسان؟ وتوسيع مداركه في التَّفكير؟ أو كيف نجعل حياته أكثر فاعليَّة؟ هنا يرى الدكتور علي ومعه الحقُّ أنَّ الذَّكاء ليس هو العامل الأساس في اتِّخاذ القرار الصَّحيح، وإنَّما الحكمة والفِراسة هي الأهم.
أنا اتَّفق معه في هذا الاستنتاج. وأتساءل من يقود العالم اليوم في السِّياسة والاقتصاد؟ هل هم الأذكياء؟ أم الأقوياء؟ أم الحكماء؟ لو ألقينا نظرةً عابرةً على زعماء الدُّول الكبرى اليوم لرأينا أنَّ الصِّراع على الموارد هو ديدنهم، والقوة هي منهجهم، والحكمة بعيدة عنهم تمامًا. وطالما استمرَّت الحروب، والصِّراع الأزلي على مقدَّرات الأرض والإنسان فإنَّ (الحكمة) تَفقِد عندئذٍ المبادئ الَّتي تقوم عليها وهي: الشُّموليَّة، والعمق، والبساطة في اتِّخاذ القرارات.
21- الآن وبعد ما يقارب الثَّمانية عشر عامًا على مغادرة مجلس الوزراء ماذا يقول معاليكم؟
لم أترك التَّقاعُد؛ ليقعدني بل أنا الذي انتصرت عليه وأقعدته. أنا استثمر وقتي في العمل على تجديد مؤلفاتي العلميَّة، في إلقاء المحاضرات، وفي المشاركات الثَّقافيَّة، وفي العمل الجزئي في مجالس إدارة بعض المؤسسات الأهلية والخيرية.
22- في ظلِّ هذه الجائحة الصِّحيَّة العالميَّة (كورونا) ما الدَّرس الَّذي تعلَّمه الجميع من هذا الظَّرف الصِّحِّي الاستثنائي من وجهة نظر معاليكم؟
دعني أوَّلًا أخي عبد الرَّحمن أتساءل كما يفكِّر في ذلك ملايين البشر في جميع أنحاء الأرض هل (كورونا) من صنع الإنسان أم هو قدر وابتلاء من الله مثله مثل عشرات الأوبئة الَّتي تعرَّضت لها البشريَّة منذ أن هبط أبينا آدم في جميع الأرض؟
هنا يحتار الإنسان في كلِّ أقاصي الأرض في الإجابة على هذا السُّؤال اليوم. الاتهامات لا زالت متبادلة بين الشَّرق والغرب حول ما إذا كانت (كورونا) صُنِعت وأنتجت في المعامل والمختبرات، أو أنَّها قدر الله ومشيئته كما حدث في أوبئة سابقة على مرِّ العصور والأزمان. التُّهم محيِّرة، والعلماء مسَّيسون، والحقيقة إلى الآن ضائعة، ولكن (إنَّ غدًا لِناظِرِه قريبُ).
لكن لنفترض أنَّ (كورونا) هو وباء أو جائحة ربَّانيَّة، وليست من صنع البشر فما هو الدَّرس الَّذي تعلَّمه الجميع .. هناك بلا شكٍّ عظات وعبر:
1. أنَّه مهما بلغ من تسلط الأقوياء، وتوحُّش البشريَّة فإنَّها تقف عاجزة مسلوبة الإرادة والقوَّة عن لطف الله.
2. ساوى (كورونا) بين الجبابرة والضُّعفاء في أقاصي الأرض وأطرافها في الهلع والخوف والإصابة بالمرض متى شاء وأين يحط، واقعد الغني والفقير محتجزًا في منزله سواء بسواء.
3. لم يعدِ الأمر هو الوباء فقط، ولكن حبُّ البقاء. توقَّفت في كلِّ بلدان العالم مظاهر الحضارة والثَّقافة والْتَفَّ الجميع يبحثون عن الملجأ والمخرج، وبقيت معامل ومختبرات المؤسَّسات الصِّحِّيَّة والجامعات تبحث عن العلاج واللقاح.
4. إنَّ حلَّ أيِّ مشكلة قد يقود إلى مشكلة أخرى أعمق وأكبر. البحث عن علاج ورعاية صحَّيَّة للمصابين قاد مشاكل اقتصاديَّة كبري لم تكن متوقَّعة. لم يعد الأمر متعلِّقًا فقط بحسابات أو إحصائيات المرضى، والمصابين، والمتعافين، والوفيات، وإنَّما كلُّ ذلك مرتبطٌ أيضًا بتوفير المعدات، والمستلزمات الطِّبيَّة، وكادر الأطباء والمهنيين، وبمشكلة كبرى اجتماعيَّة ونفسيَّة هي عمليات الحجز، والحجر، وتوفير الغذاء، والمستلزمات الأخرى.
5- إنَّ صنع الأسلحة الفتَّاكة ليست هي الوحيدة الَّتي تقضي بها على مكاسب الخصم، بل إنَّ تصنيعَ جرثومةٍ ونشرها يمكن أن تقضي على العدو دون أن يدرك، ومن ثمَّ يَسلبُه كلَّ أو بعضَ إنجازاته الاقتصاديَّة والحضاريَّة.
6. إنَّ الكوارث، والأزماتِ، والأوبئةَ، قد تقود إلى مشاكل اقتصادية غير متوقَّعة داخل الوطن الواحد، وخارجه.
نلاحظ اليوم أنَّ كلَّ مظاهر الحياة الاقتصاديَّة في العالم قد توقَّفت عن العمل. إنَّ تَبِعات هذه الأوضاع ستكون سيِّئة وصعبة وخاصَّة على الدُّول النَّامية.
7. يجب مراجعة أداء المنظَّمات الدُّوليَّة؛ من أجل تقصِّي الحياديَّة الكاملة في قرارتها. إنَّ الهجوم الَّذي تتعرَّض له اليوم (منظَّمة الصِّحَّة العالميَّة) هو بسبب الشَّكِّ في تميُّزها واتِّخاذ قرارتها وتأخُّرها في نشر الحقائق.
8- انكشف السِّتار اليوم عن الدُّول العظمى، وتساوت مع بعض الدُّول الصُّغرى في مواجهة (كورونا)؛ لكي تكون عظيمًا لابدَّ أن تكون سبَّاقًا في التَّفكير، والتَّخطيط، وقادرًا وبسرعة على اتِّخاذ القرار الصَّحيح، وفي الوقت المناسب.
في أزمة (كورونا) اليوم أمريكا، وبعض دول أوروبا أصبح شأنها مثل شأن الدُّول الصُّغرى والنَّامية.
9. ليس شرطًا أن تكون قوَّة عظمى؛ لكي تحقِّق إنجازات عظمى. أمريكا وأوروبا واليابان تواجه معضلة كبرى وظروف قاسية وهي تحارب على جبهتين:
جبهة الرِّعاية الصِّحِّيَّة، وجبهة الأوضاع الاقتصادية الحاضرة والمتوقَّعة بعد (كورونا).
وفي المقابل هناك دول نامية والمملكة العربية السُّعودية مثال نابض لذلك أثبتت أنَّها اتَّخذت كلَّ القرارات الصِّحِّيَّة والسَّريعة في رعاية أبنائها والمقيمين فيها صِحيَّا واقتصاديًّا ونفسيًّا.
10. الالتزام بكافَّة الأنظمة، والإجراءات الحكوميَّة في كلِّ الأماكن والبلدان الَّتي أصابها الوباء، والَّتي تهدف إلى سلامة المواطنين في منازلهم وأعمالهم وأسواقهم، إنَّ الاستهتار بمثل هذه الإجراءات، أو التَّراخي في تطبيقها من قبل الحكومات قد يضاعف
الأخطار ويضاعف أرقام المصابين، وينشر العدوى خارج الحدود.
11. إنَّ على الدُّول والشُّعوب الَّتي تأكل من كلِّ ما يمشي على
أرض، أو داخل البحر أن تغيِّر عاداتها وثقافة الغذاء فيها. ليس من المنطق أن نتعامل مع شعوبٍ تأكل الكلاب والقرود والخفافيش والثَّعابين والجرذان، أو حتَّى نزور أسواقهم؛ بحجَّة التَّعرُّف على تقاليدهم. هذه قد تكون أسواقًا موبؤةً وناقلةً للأمراض.
12. أخيرًا .. نقول ((قُلْ لَنْ يُصِيْبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا))، ونقول إنَّ الوباء الَّذي لا نراه ولا نلمسه هو جندٌ من جند الله؛ لتذكير النَّاس بقوَّة الخالق وضعف البشر.
23- معالي الدكتور مدني علاقي كلمة أخيرة في ختام هذا اللِّقاء الماتع.
أقول: ختامًا أخي عبد الرَّحمن أنت محاورٌ بارعٌ، وقد أرهَقَتْني بعض أسئلتك، وربَّما طالت الإجابات أو قصرت لبعضها.. أرجو لك ولجميع الإخوة في (صحيفة مكَّة الالكترونيَّة)، وللإخوة القرَّاء صيامًا مقبولًا وذنبًا مغفورًا ودعوة لا تُردُّ، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير، .