ما نسمعه بين فينة وأخرى، هو ذلكم الشعار الجميل الذي ترفعه بلدياتنا (جودة الحياة)؟ .. وفي تقديري أن جودة الحياة مشروع شمولي متكامل – أو هكذا ينبغي له – بحيث يجمع المشاريع الكبيرة والصغيرة كحزمة واحدة.
وبناء على هذا التصور؛ فإن الشوارع التي تبدو مهشمة في الحي الذي تسكن فيه، وليس فيها شجرة واحدة، وليس ثمة في جنبات الحي حدائق، ولا مجسمات جمالية في أطرافه، فإن ذلك لا محالة خدش ظاهر لمشروع “جودة الحياة”.
في مسألة المطبات الاصطناعية، ثمة محددات ترسم دواعيها ومقاييسها، بموجب تنظيم معترف به عالميًا، وليست حسب التساهيل أو مزاجية هذا أو ذاك، ولو تم إقامة أحدها بموجب دراسة من أجل كبح سرعات المتهورين مثلًا .. فإنه يتوجب أن تكون مطلية بالفسفور العاكس للضوء، بما يجعلها واضحةً لمستوى الرؤية، بما لا يفاجئ السائق، فلا يرتطم بها بشكل يكاد يخلع ضرس العقل، ويفكك أوصال العربة.
مشروع “جودة الحياة” .. تعني تعهد المصابيح المعطوبة لأعمدة الشوارع، التي قد يمر عليها وهي هامدة في رقدتها شهورًا بل ربما أكثر من عام … والمشروع يعني حلًا لمعضلة الحدائق، التي إما أن يكون عددها ضئيلًا جدًا، أو أن صيانتها (منسية) حتى صار بعضها مجرد اسم خالٍ من المضمون.
والمشروع يعني كذلك إيقاف وجع التسرب المتوالي للمياه إلى الشوارع، إما مباشرة من طفح البيارات، أو من المياه الحلوة الناتجة عن تسرب (الشبكة المهترئة) لشركة المياه، وفق آلية عمل معروفة وواضحة، يحاسب عليها الموظف المسؤول، سواء كان المواطن أو الوافد المتهاون على حد سواء.
ما نقوله هنا ينسحب على المدن الكبيرة وكذلك القرى والأرياف.. فلا بد أن تكون – جميعها – بيئات جاذبة، تنمية مستدامة، وواقع يتماهى مع جودة الحياة، وكل هذه – في الواقع – متطلبات ضرورية تتسق مع عناوين الحياة الحاضرة، والمستقبلية.
الكثير من مدن العالم – الآن وحتى من قبل سنوات – صارت تتباهى، تتفاخر، وتتسابق على سلم الأولويات في ترتيب ….
أيها أكثر جاذبية …
وأيها أكثر (أنسنة)
وأيها قد صارت (مدنًا صديقة) …
صديقة لأهلها .. لسكانها .. ولزائريها معًا ….
.
الشارقة مثلًا صارت مدينة صديقة للأطفال واليافعين لعام 2019 .. بترشيح من (اليونيسيف)، تحت شعار “بداية صحيحة لمستقبل أفضل”.
وقبل سنوات أطلقت الأمم المتحدة اصطلاح “هندسة المدن الصديقة للمسنين” .. بعد تزايد عددهم، في ظاهرة ما يُعرف بـ (تشييخ المجتمعات) .. يوجد في العالم الآن 650 مليون شخص فوق الـ 60 .. وسيزيدون إلى ملياري شخص بحلول عام 2050
وهناك مدنٌ صديقة للبيئة .. منها ثلاث عواصم آسيوية، طوكيو وبكين وسنغافورة، وصارت تتصدر القائمة، فيما يتعلق بوسائل الانتقال فيها .. لأن معظم سكانها يذهبون لأماكن عملهم إما سيرًا على الأقدام، أو باستخدام مواصلات عامة، بينما أعداد قليلة نسبيًا يستخدمون السيارات الخاصة بالتنقل.
وهناك مدنٌ صديقة للعائلات .. كبرلين وإيبيريا وفالنسيا ومدريد .. وفق معايير عدد الأماكن الجميلة والمعارض والمتاحف المناسبة للعائلات، فضلًا عن تدني معدلات التلوث وزيادة السلامة … إلخ.
وتبقى مسألة (أنسنة المدن) واحدة من أكبر التحديات لصنّاع القرار وعمد المدن ومسؤولي البلديات .. في كيف يمكنهم أن يصوغوا مدنًا تتعاطف مع سكانها، تحترمهم، وتلبي حاجاتهم من الصغير للكبير ..
مدنٌ ليس فقط أبراجًا عالية وأرصفة وشوارع فسيحة كمكونات مادية فقط، بل يتقدم كل ذلك، مدينة تغذي الروح، عبر مشاريع حسية تستدعي ذاكرة المكان .. مدنٌ لا تقزمك كإنسان بمبانيها، ولا تخنقك .. بل تصبح مكانًا يشعرك بقيمتك، بماضيك، بتاريخك وحاضرك، عبر مشاريع (استدامة مستقبلية).
ولو تم ذلك لما تشابهت المدن مع بعضها أبدًا، بل صار لكل مدينة نكهتها، ومذاقها الخاص، وفرادتها … لأنه سيكون للسكان فيها دور كبير في تشكيلها.
وأخيرًا .. سؤال لأحبتنا رؤساء البلديات .. ما خططكم الاستراتيجية لمدنكم؟