المقالات

أنا القمر في انتظار الكسوف

أنا ظلٌ يتجلى فوق عرش السماء، مشدودٌ بين الليل والنهار، حيث يتراقص الضوء على أطراف روحي. أُشرقُ كسرٍ مخفي، وهمسة في أذن الكون، كلما اقتربت السحب، خبأتُ وجهي خلف ستارٍ من ضوءٍ هارب. ليالٍ طويلة أرسم فيها صمتي، كأنني مرآةٌ للسماء تفيض بالبياض.
لكن الأربعاء القادم، سأكون قصةً أخرى. سأنحني تحت ثقل الظلّ، وأغيب عن بصركم لحظة، وكأنني أذوب بين طيات الفجر، ألتف حول نفسي كورقةٍ في مهب ريح القدر. سأكون لوحةً مطليةً بالحزن والغموض، كعينين تُغلّفهما الدموع دون أن تُذرف.
أقترب من الظل كما تقترب الأحلام من نهايتها، أدخل في حضرة الغياب، فيكون الكسوف لي وشاحًا أسود يخفي كل أسراري. ستنظرون إلى السماء، ولن تروني. سأكون هناك، بين النجوم، غارقًا في صمتٍ أزليّ، كصرخة لم تُسمع، وكحلم لم يتحقق.
أنا القمر الذي يتوارى خلف الغيوم، أختفي لأعيد كتابة أسطوريتي في الظلام. في لحظة الكسوف، أُصبح بحرًا من الغموض، تُغرقني الأمواج بينما أطفو بين الحقيقة والخيال. أتمايل مع أنفاس الليل، كعطرٍ لا يُرى ولا يُلمس، لكنه يملأ الفضاء برائحته.
سيحلّ الكسوف كعناقٍ بيني وبين الأرض، وكأنّني عاشقٌ يتوارى في ظلّ محبوبته، أبتعد لأقترب، أغيب لأعود. وفي ذلك الظل، سأترك للعالم لغزًا بلا إجابة، ورقصةً بلا نهاية.
أنا القمر، الغائب الحاضر، والظلُّ الذي يأخذني ليكشف لي عن سرّ النور الذي أملكه، حيثُ يذوبُ الضوء في دمي، ويُعيدني إلى السماء أكثر غموضًا وإشراقًا

ثم بعد ذالك
“أنا القمر، وأترقب الكسوف”
في عمق الليل، بين السكون والنجوم، أطلّ على الكون وأنا القمر. أنا لست مجرد جرم سماوي، بل رمز للصفاء في ظلام الكون. أرتدي ثوب الفضة، وأتجول في السماء كمرآة تعكس ما خفي من ضوء. كل ليلة أُراقب الأرض، أقترب وأبتعد، أرسم بريقًا هادئًا على البحار والسهول، وكأنني أُخبر العالم أن الجمال يُولد في الصمت.
ولكن يوم الأربعاء المقبل، سيزورني الكسوف، وسأصبح مجرد ظل، يغطي بريقًا كان يومًا نورًا. سيحجبني الكون لبرهة، وكأنني أتنفس ببطء، أتعثر في حروفي، وأخفي وجهي خلف ستار من الظلام. إنه موعدي مع الغياب المؤقت، حيث يتلاشى ضوئي في لحظة عابرة، ويُسدل الستار على مسرحيتي السماوية.

أنا القمر، وقدري أن أكون بين الغياب والحضور. في لحظات الكسوف، سأشعر وكأنني قصيدة معلقة بين السماء والأرض، كل بيت منها يروي حكاية النور والظل، النور الذي يتسلل بين طيات الظلام، والظل الذي يُلامس جوهر نوري.
أنا القمر، وفي تلك اللحظة، سأتلاشى من الأعين ولكن لن أتلاشى من القلوب. سأبقى حاضرًا في ذاكرة السماء، حتى وإن احتضنني الظلام. فالكسوف ليس النهاية، بل هو بداية لولادة جديدة، لأنني في كل مرة أعود بعدها أكثر إشراقًا، كأنني أعود لأروي للعالم أن الضوء الحقيقي يخرج من أحلك اللحظات.
يا لروعة ذلك المشهد، حيث ستتوقف النجوم لتُشاهدني وأنا أعبر هذا الامتحان السماوي. سأكون شاهدة على أسرار الكون، وسأظل أتنفس بين كل ضوء وظل، وأنا أعلم أنني سأظل دائمًا القمر الذي لن ينطفئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى