المحليةالمقالات

إلاّ العقيدة يا نجيب

[ALIGN=RIGHT][COLOR=crimson]إلاّ العقيدة يا نجيب[/COLOR] [COLOR=blue]محمود بن عبدالله القويحص [/COLOR][/ALIGN]

فاجأنا الكاتب: نجيب عصام يماني بمقاله “ما قيل في الحوض والصراط” والمنشور بجريدة عكاظ يوم الثلاثاء 14/6/1432هـ بكلام خالف فيه مذهب أهل السنة والجماعة من الوجوب بالإيمان بالحوض والصراط ورؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة، وإنني استنكر أن يُنشر مثل هذا الكلام في صحيفة تنتمي لدولة سلفية منهجها كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأتساءل هل وصل الأمر بالصحيفة إلى أن تَنشر مثل هذا المقال الذي فيه مخالفة صريحة لما عليه عقيدة أهل السنة والجماعة، ويحمل في طيّاته آراءً لأصحاب العقائد المنحرفة بحجة الحرية في المعتقد وإبداء الرأي، إنّ هذا التوجه خطير جدا، وبداية للتشكيك في عقيدة المجتمع، ولا يقره مسلم عاقل.

فإنكار الحوض والصراط ورؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة من عقيدة المعتزلة والجهمية والخوارج، والتي حاول الكاتب ـ هداه الله ـ أن يثبتها ويتبناها بأسلوب التشكيك، ونقل الخلافات الواردة حولها، لذا فلي مع الكاتب حول مقاله عدة وقفات:

أولا: ذكر الكاتب الاختلاف في مكان الحوض وسعته، وحاول ضرب النصوص بعضها ببعض، واكتفى بذكر بعض المقولات من المراجع كي يحقق مراده، ويوهم القارئ بأن هذا القول هو القول الراجح في المسألة، ولم يكلّف نفسه بالرجوع لأقوال السلف كي يرى كيف تم الجمع بين الأدلة، فاختلاف العلماء بمكان وسعة الحوض لا يسوغ لأحد إنكار الحوض بالكلية ورد الأحاديث الصحيحة الواردة فيه، وهذا الاختلاف وللأسف دفع الكاتب إلى إنكار الحوض جملة فقال:( ونخلص من هذا الاختلاف إلى أن الحديث في حكم المضطرب الذي لا يعمل به عند أهل الحديث كما ذكره ابن تيمية في الفتاوى “7/254” ) وكلامه هذا يوهم القارئ بأن ما يراه هو رأي ابن تيمية وهذا تلبيس وتدليس، وافتراء على شيخ الإسلام، فابن تيمية من أئمة السلف الذين يؤمنون بالحوض، ولم ينقل عنه ألبتّه إنكاره للحوض، فقد قال ـ رحمه الله ـ في العقيدة الواسطية:( وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر وعرضه شهر، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا ) قال فضيلة الشيخ: صالح الفوزان ـ وفقه الله ـ في شرحه للعقيدة الواسطية:( وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات الحوض وخالفت في ذلك المعتزلة فلم تقل بإثباته وأولوا النصوص الواردة فيه وأحالوها على ظاهرها) شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح الفوزان ط4 مكتبة المعارف الرياض 1407هـ ص152.

ولو كان الكاتب أمينا بنقله لبين رأي البخاري رحمه الله في الحوض، فقد أفرد البخاري في صحيحه:( باب: في الحوض ) وساق مجموعة من الأحاديث التي أجمعت الأمة على صحتها، وتلقتها بالقبول، ولا يشك فيها إلاّ منحرف ضال.

وقال ابن حجر رحمه الله في الفتح بعد أن ساق خلاف العلماء بمكان الحوض وسعته:( قال القرطبي في “المفهم” تبعا للقاضي عياض في غالبه: مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي، إذ روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين، منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غيرهما بقية ذلك مما صح نقله واشتهرت رواته، ثم رواه عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم ومن بعدهم أضعاف أضعافهم وهلم جرا، وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف، وأنكرت ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته، ولا حاجة تدعو إلى تأويله، فخرق من حرفه إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف. قلت: أنكره الخوارج وبعض المعتزلة) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ط1398هـ مكتبة الكليات الأزهرية مصر، ج24 ص288

فلماذا لم ينقل الكاتب هذا النص الصريح في إثبات الحوض وبيان عقيدة السلف فيه، خاصة قول ابن حجر:( قلت: أنكره الخوارج وبعض المعتزلة)!! علما بأن ابن حجر قد أطال في توضيح المسألة، وفي الرد على المنكرين، وبين كيفية الجمع بين الأدلة الواردة في مكان وسعة الحوض.

يقول الإمام الطحاوي رحمه الله:( والحوض الذي أكرمه الله تعالى به غِياثا لأمته حق ) قال الإمام القاضي علي بن أبي العز الحنفي الدمشقي في “شرح العقيدة الطحاوية”:( الأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حدَّ التَّواتر، رواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا … فمنها: ما رواه البخاري رحمه اللَّه تعالى، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم قال:( إِنَّ قدر حوضي كما بين أيْلة إلى صنعاء من اليمن، وإنَّ فيه من الأباريق كعدد نجوم السَّماء) وروى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد اللَّه البجلي رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول:( أنا فرطُكم على الحوض) والفرط: الذي يسبق إلى الماء ) وذكر جملة من الأحاديث الثابتة الصحيحة في الحوض، إلى أن قال:( والذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض: أنَّه حوض عظيم، ومورد كريم، يمدُّ من شراب الجنَّة، من نهر الكوثر، الذي هو أشد بياضا من اللَّبن، وأبرد من الثَّلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، وهو في غاية الاتِّساع، عرضه وطوله سواء، كلُّ زاوية من زواياه مسيرة شهر) وختم الحديث بقوله:( فقاتل اللَّهُ المنكرين لوجود الحوض، وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده يوم العطش الأكبر) شرح العقيدة الطحاوية ط1 بيروت الناشر مكتبة دار البيان 1405هـ ص220 ـ 223

ثانيا: كان نهج الكاتب كحاطب ليل، ينقل ما قيل في المسألة من خلاف دون تمحيص أو ترجيح، كي يوهم القارئ بعدم اتفاق السلف على أصل الإيمان بالحوض والصراط ورؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة، وأن الموضوع خلافي، وهذا خلاف الحقيقة، فإن السلف الصالح لم يختلفوا بوجوب الإيمان بالحوض والصراط ورؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة لثبوت ذلك بآيات والأحاديث الصحيحة المتواترة.

ثالثا: ما ذكره الكاتب حول:( إيقاف العمل بحديث الصراط ) سببه عدم قدرته على الجمع الواضح لكل ذي لب بين فرح المؤمنين بالجنة وتبشير الملائكة لهم بقوله تعالى:( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) وبين الحديث المتفق على صحته:( ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فيمر أولكم كالبرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً، وفي حافتي الصراط كلاليب مثل شوك السعدان تخطف الناس) فقال الكاتب:( فلزم والحال كذلك تقديم الآيات وإيقاف العمل بحديث الصراط والنيران والكلاليب وشوك السعدان). لاحظ: أحاديث متفق عليها يريد الكاتب إيقاف العمل بها، ولا أعلم أين التضارب إذا علم المسلم أن الصراط على متن جهنم ومن يتجاوزه تتلقاه الملائكة بالفرح والسرور.

يقول الإمام الطحاوي رحمه الله حول عقيدة الصراط:( ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب، والصراط والميزان) قال الإمام القاضي علي بن أبي العز الحنفي الدمشقي رحمه الله في “شرح العقيدة الطحاوية”:( وقوله “والصراط ” أي ونؤمن بالصراط، وهو جسرٌ على جهنَّم، إذا انتهى الناس بعد مفارقتهم مكان الموقف إلى الظّلمة التي دون الصراط، كما قالت عائشة رضي الله عنها:( إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أين النَّاس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال:هم في الظُّلمة دون الجسر) وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلَّفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال بينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم… واختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى:( وإن منكم إلاّ واردها) ما هو؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط، قال تعالى:( ثمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا) وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:( والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة، قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول:( وإن منكم إلاّ واردها)؟ فقال: ألم تسمعيه قال:( ثمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا ) شرح العقيدة الطحاوية ص 477 ـ 478

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية:( والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم) قال فضيلة الشيخ: صالح الفوزان ـ وفقه الله ـ في شرحه للعقيدة الواسطية:( وأهل السنة والجماعة يؤمنون بالصراط المنصوب على متن جهنم ومرور الناس عليه ) شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح الفوزان ص153

رابعا: أما بخصوص رؤية الله عز وجل يوم القيامة، فمذهب أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين: إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، بأعينهم رؤية ظاهرة جلية لا مرية فيها ولا شك، وأنها أعظم النعيم الذي ينالونه، ولم يخالف بذلك إلا أصحاب الأهواء من المعتزلة والجهمية والخوارج، يقول ابن عثيمين رحمه الله:( أما من زعم أن الله لا يُرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين فإن قوله هذا باطل مخالف للأدلة ويكذبه الواقع) المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين ط1 دار الوطن1410هـ ص23

وقد أفرد البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد في صحيحه: باب قول اللَّه تعالى:( وجوه يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربّها ناظرة) ثم ذكر في الباب أحد عشر حديثا تدل على رؤية المؤمنين للخالق عز وجل في الجنة.

ويأتي الكاتب بكل جرأة ويرد على الإمام البخاري رحمه الله بقوله:( ولـيس ـ بالمناسبة ـ في هذه الآية أي معنى من معاني رؤية رب العالمين في الآخرة كما يحلو للبعض أن يتقول بذلك ويتشبث بهذه الآية، فإن هذا القول مردود جملة وتفصيلا بقوله تعالى ” لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار” وقوله تعالى لموسى عليه السلام “لن تراني” ).

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:( قال النووي: مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة، ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج، وهو جهل منهم، فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين، وأجاب الأئمة عن اعتراضات المبتدعة بأجوبة مشهورة) فتح الباري ج24 ص266

ولو كان الكاتب ممن يبحث عن الحقيقة، وقرأ المراجع التي نقل منها بتدبر لما أشكلت عليه مسألة رؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة، نقل ابن حجر عن ابن بطال في الفتح قوله:( ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة … قال وتعلقوا بقوله تعالى:( لا تدركه الأبصار) وبقوله تعالى لموسى:( لن تراني) والجواب: عن الأول أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وعن الثاني المراد لن تراني في الدنيا جمعا أيضا، ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف) فتح الباري ج28 ص204

إنّ كلام الكاتب حول الحوض والصراط ورؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة، ونشر ذلك على الملأ، وجرأته على ردّ أحاديث الصحيحين مؤشر يدل على سوء المعتقد، ولا أعلم ما هي الفائدة التي يرجوها الكاتب من نشر هذا المقال، ولا الحكمة من إثارة مثل هذه المواضيع التي هدفها إثارة الشكوك لدى عامة المسلمين في عقيدتهم، فهل يعقل أن كل من أراد نشر عقيدة منحرفة، يفسح له المجال عبر الصحف!؟ وإنني بعد هذا الإيضاح أطالب الكاتب بالتوبة إلى الله، والرجوع للحق، والتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة، كما أطالب الصحيفة بعدم نشر أمثال هذه المقالات المخالفة لما عليه عقيدة المجتمع التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وأناشد المسؤولين باتخاذ كل التدابير الواقية للحفاظ على عقيدة المجتمع الصافية من الشوائب والشبهات.

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]malqwehes@gmail.com[/COLOR][/ALIGN]

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لا حول ولا قوة الا بالله
    اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك

  2. لا حول ولا قوة الا بالله
    اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى