المحليةالمقالات

كاسروا قلوب المواطنين

[ALIGN=RIGHT][COLOR=crimson]كاسروا قلوب المواطنين[/COLOR] [COLOR=blue]د. أحمد صالح الزهراني[/COLOR][/ALIGN]

كل من مارس الفقه وتعليلات الفقهاء لن تغيب عن ذهنه عبارة تتكرر في مواضع كثيرة ، (كسر قلوب الفقراء) أو نحوها يعلّلون بها منع أشياء أو كراهتها.

قلب الفقير والمسكين والمحتاج والطفل واليتيم والمرأة قلوب راعاها الفقه الإسلامي في كثير من تشريعاته .. وعلل به كثير من الفقهاء أحكاما عديدة ..

الشّريعة علّمتنا هذا ..

لكن في أيّامنا هذه يحدث العكس .. إذ تخصّص كثير من المسؤولين لدينا في كسر القلوب ..

والعجب الذي يتملكني أنّ قمّة الدولة لدينا ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وفّقه الله يظهر منها في كل تصرفاتها الحرص على جبر قلوب المواطنين .. فنسمع كل يوم بقرارات وأعطيات وتوسعة على النّاس من أموال الدولة من المال العام الذي هو حق كل امرأة وطفل وشيخ وشاب ..

ثمّ نفاجأ بعد ذلك بأيدٍ ومقصّات غير نظيفة تُدار بقلوب أقسى من الحجر همّها إظهار وطنيّـتها الكاذبة وحرصها الزائف على المال العام بعكس ذلك ..

قلوب صلدة لا تأبه لقلوب النّاس تخصصت في كسرها وكسر فرحتها باختلاق الشروط والقيود الّتي تحرم شرائح من المجتمع من حقوقها بحجج واهية ..

ليس مصدر وهائها كونها مخالفة للحقيقة فقط، وإنّما من كون أصحابها أكثر النّاس سعة وترفا وتمتعا بأموال الدولة بحق وبغير حق ..

ما حصل من حرمان الكثيرين من قرض الصندوق العقاري بحجة أنّهم يوماً ما امتلكوا سكناً ، وما حصل من اقتراح وزير المالية تقليل مساحة الأرض الممنوحة للمواطن بثلاث مئة بدلاً عن ستمئة ، وأخيرا شروط حافز التي اسالت أدمعا ساخنة اشعلتها قلوب تحترق فيها أمنيات وآمال عاشت عليها شهورا تنتظر ثمّ تُفاجأ بمن يقول لهم: أنتم لا تستحقون ذلك الفتات لأنّكم تجاوزتم خمسا وثلاثين سنة ..موتوا بقهركم .

لا بل اقترح أحد المصروعين في مجلس الشورى بأن يعيد العاطل المبالغ التي أخذها للدولة حين يجد عملاً ..

كلّ هذه التصرفات تنمّ عن نفسيّات تعيش في أماكن غير الّتي نعيشها .. نفسيّات متخصّصة في كسر قلب المواطن وإذلاله .

هؤلاء العباقرة يفكرون بمنهج الدبّ الذي قتل صاحبه .. كما أنّهم يعبّرون عن حقيقة مستوى الغباء الذي ابتُلي به بعض المسؤولين في مواقع اتخاذ أو اقتراح القرار .

كل من يجلس في مجالس الطبقات الكادحة من الشعب يعرف ما يمثّله الجانب الاقتصادي في الاستقرار .. وأنّ محور دعاء النّاس لفلان أو على فلان هو المال .

وأنّ الدولة الّتي لا تفيض المال على مواطنيها فيضاً مع قدرتها فإنّها تربّي تحت كنفها أسباب اضطرابها وزلزلتها ..

لا يوجد في التاريخ الإنساني أعفّ ولا أزهد من جيل الصحابة الذين عاشوا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يربي فيهم حب الآخرة ..

ومع هذا تأمّل هذين النصين :

عن المسور بن مخرمة قال سمعت : الأنصار ان أبا عبيدة قدم بمال من قبل البحرين وكان النبي صلى الله عليه و سلم بعثه على البحرين فوافَوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم تعرّضوا له، فلما رآهم تبسم وقال :«[COLOR=crimson]لعلكم سمعتم ان أبا عبيدة بن الجراح قَدِمَ، وقَدِمَ بمال[/COLOR]» قالوا :أجَل يا رسول الله، قال:« [COLOR=crimson]أبشروا وأملوا خيرا [/COLOR]»..

وعن محمد بن جبير بن مطعم ان أباه أخبره : بينا هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه ناس مقفلة من حنين علقه الأعراب يسألونه، فاضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه وهو على راحلته، فوقف فقال :«رُدّوا علَيّ ردائي ، فلو كان عدد هذه العضاه نعما لقسمتُه بينكم، ثم لا تجدونى بخيلا ولا جبانا ولا كذاباً»..

المال عصب الحياة وهو ركن الاستقرار الأوّل، ولهذا لا تجد الصلاة تُذكر إلاّ مقرونةً بالزّكاة إلاّ ما ندر ..

ولم يكن أئمّة العدل فيما سبق يتعاملون مع النّاس بالكفاف بل كانوا يقسمون الموجود ويفيضون المال على النّاس ..

فعن هارون بن مسلم بن هرمز ، عن أبيه : أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أعطى الناس في عام واحد ثلاث أعطيات، قال : ثم قدم عليه خراج أصبهان ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : «يا أيّها الناس ، اغدوا إلى العطاء الرّابع فخذوه ، فإنّي والله ما أنا لكم بخازن ، فقسمه فيهم ، ثم أمر بيت المال فكُسِح ونضح ، فصلّى فيه ركعتين ، ثم قال : يا دنيا ، غُرّي غيري» ..

وفي عهد عمر بن عبدالعزيز تبرّع واحد من أمثال أصحاب المقصات في وزارة المالية عندنا بنصيحة، إذ كتب بعض عمال عمر إليه: «[COLOR=crimson]إنك قد أضررتَ بيت المال[/COLOR]» يقصد بالإنفاق على النّاس،فقال له عمر: «[COLOR=crimson]أعطِ ما فيه، فإذا لم يبق فيه شيء فاملأه زَبَلاً[/COLOR]».

بعض المسؤولين لدينا كوزير المالية ووزير الخدمة المدنية ومن يفكر بتفكيرهما من أعضاء الشورى وغيرهم يعتقدون أنّ حق المواطن السعودي هو الكفاف ، ثوب له وثوب لزوجِه والثالث للشيطان .. وأنّ المواطن المستحق للمال هو الّذي يأكل الثّرى من العطش ويمصّ النوى من الجوع !

ولهذا كما قلنا استكثر رجل يعيش في قصر لا يُرى طرفاه على المواطن ستمئة متر مربع .. وربما نسمع في مستقبل الأيام بمن يقترح إلغاء الرواتب وإعطاء كل مواطن بطاقة تموينية كما كان يحدث في الدول الاشتراكية سابقاً ..

هكذا عقليات بعض مسؤولينا تسير بقوة الصاروخ لكن للخلف وليس للأمام ..

كم مشروعا وهبة أعلن عنها خادم الحرمين .. وكم مرة سمعنا تحققها بعموم لفظها وشمول علّتها ؟

مساكن أهل الجنوب الذين شردوا بسبب حرب الحوثيين ما أخبارها ..

وأموال الضمان ما أخبارها ، وصندوق الفقر ما أخباره .. ومشاريع صندوق الشباب . وحافز ووو ..

في كل هذه المشاريع تصدمك كثرة الشروط والقيود الّتي تصب في خانة حرمان المواطن .. لتغدو الأعطيات والحقوق حبرا على الورق .

لنفرض أنّ المواطن سيأخذ ألف وخمسمئة شهريا إعانة بطالة وهو غير مستحق تُرى كم تُشكل هذه المبالغ من تكاليف أثاث وسيارات ورحلات وانتدابات واجتماعات بعض هؤلاء الّذين يحرصون على أموال الدولة فقط إذا كانت ستذهب إلى المواطن المسكين ..

اقول : إنّ أيّ شرط يؤدي إلى حرمان شخص واحد من حقّه من المال العام هو شرط جَور وكسر للقلوب حتى لو كان هذا الشرط سيمنع حصول ألف شخص على ما لا يستحقون ..

أن يخطئ المسؤول في إعطاء من لا يستحق أحب إلى الله ورسوله من أن يخطئ في حرمان من يستحق ..

وعلى أولئك المسؤولين في أيّ مكان وجدوا أن يتّقوا الله في كلّ مواطن يعيش على هذه الأرض الغنيّة بمواردها الغنيّة بأهلها ..

وأن لا يكسروا قلوب أهلها ، فإنّ القلب الكسير والنّفس الكسيرة لا تعرف الحب ولن تفهم معاني الولاء والوفاء لوطن مسؤولوه يتلذّذون ويتفنّنون في ابتكار واختراع أساليب كسر القلوب ، أخذهم الله جميعا وأراح منهم البلاد والعباد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى