ماتزال حادثة إغتيال القديس فالنتاين تحاكي الضمائر البشرية, وتوقد فيها جذوة الرفض للظلم والجبروت والقسوة المتناهية والبغض الذي يعتمل نفوس الطغاة والمرضى بالشر والعهر.
هذا القديس الذي رفض النزول عند حكم سلطان جائر أراد للعلاقات الإنسانية أن تكون في دائرة اللذة المحرمة ,والإستمتاع خارج الدائرة القيمية ,ورفض بقوة تلك التعاليم الباطلة وأخذ يقيم مراسيم عقد القران الرسمية في الكنيسة, ودفع حياته ثمنا لذلك التحدي.
روي من بين عديد الروايات التي تحدثت في أصل هذا العيد, وأسباب قيام الناس بالإحتفال به في بلاد المسيحية حول العالم ,[COLOR=crimson]لكن الأقرب الى الصحة[/COLOR], أو الى الفائدة من سواها هي الرواية التي ذكرها أحد الباحثين الإسلاميين المعترضين على مشاركة المسلمين في الإحتفال بعيد الحب, التي تقول):إن كلوديوس حاكم الأمبراطورية الرومانية العظيمة وجد صعوبة في تجنيد جميع رجال روما للحرب ، فلما بحث في سبب عدم مطاوعة الناس له لفي التجنيد تبين له عدم رغبتهم في ذلك هو إن الرجال المتزوجين كانوا يكرهون إن يتركوا أهليهم ويخرجوا معه فما كان منه حينئذ إلا إن منع الزواج وضيقه فجاء القس ” فالنتاين ” ليخالف أمر الإمبراطور فكان يزوج الناس في الكنيسة سراً فاعتقله الإمبراطور فقتله في الرابع عشر من فبراير 269م).
مرت قرون عديدة على رحيل القديس فالنتاين ,ومازال الناس يحيطون ذكراه بالعناية والحب ,ويحيون المناسبة في الرابع عشر من فبراير كل عام, ويوزعون الهدايا والورود الحمراء المعبرة عن الحب والسلام والأمنيات الطيبة.
خرج البعض عن أخلاقيات الإنسان المتزن, وصار يسئ الإحتفال بالمناسبة, ويتفنن في ذلك ,وشهدت بعض المدن الأوربية والأمريكية تجاوزات خطيرة حيث قام بعض باعة هدايا عيد الحب بكتابة عبارات إباحية على الهدايا التي يقدمونها للأطفال,ماأثار حفيظة الأسر التي إستلمتها, أو التي وقعت عيونهم عليها.
ليس لهذا العيد من ذكر في الأدب الإسلامي,وإحتفالات المسلمين معروفة لكن ليس بالإمكان منع الناس من أن يحتفلوا شرط عدم التجاوز ,أو ممارسة مايخل بالآداب العامة,لذلك أخذ الناس في البلدان العربية والإسلامية يحتفلون بيوم عيد الحب كما لو أنهم يحتفلون بعيد الأضحى أو الفطر,ولربما مضت العادة في ذلك كما هي في إحتفالات رأس السنة الميلادية,حيث يحتفل المسلمون بمايفوق إحتفالهم برأس السنة الهجرية,وهذا يعود في الغالب الى سطوة الغرب وعاداته وثقافاته على البلدان التي في أغلبها كانت مستعمرة من دوله, والتي تمتلك القدرة على التوصيل بعد النشاط الثقافي والتجاري والإقتصادي والإستعماري, وماعاضده من تقنيات حديثة ساهمت في نشر تلك الثقافات.
وسواء كانت المناسبة مرتبطة بتراث إسلامي, أو كانت من عنديات الغرب والديانات الأخرى فلابأس من مشاركة الآخرين الإهتمام بها لنشر مبادئ المحبة والتسامح والتصالح والتواصل بين الشعوب ومعرفة عاداتها وتقاليدها.
في البلاد العربية مازالت أزمة السياسة, وأجواء عدم الثقة تطبع المشهد العام بعد سنوات قضاها تحت سلطات الإحتلال كما في العراق ,أو في ظل الفوضى والدكتاتورية والتناحر السياسي كما في تونس ومصر وسوريا وليبيا والجزائر واليمن والبحرين والسودان وموريتانيا والصومال ولبنان ,ومرت بظروف صراع طائفي وسياسي أرهق الناس وأتعبهم وأفقدهم الكثير من طاقة المواصلة والرغبة في الحياة ,وهم يستثمرون كل اللحظات السعيدة ليكونوا في المشهد ولتخفيف تركيز الأحزان والهموم في نفوسهم المرهقة,وربما كانت ذكرى فالنتاين واحدة من المناسبات العالمية السعيدة التي لابد أن تكون جزءا من التراث الفكري والروحي الإنساني الذي يمكن أن يساهم في تقريب الشعوب ومنحها فرصة المحبة والخلاص من العذاب.