المحليةالمقالات

المرور ونحن

[RIGHT]المرور ونحن
بقلم : محمد بن ربيع الغامدي[/RIGHT]

كنا في يوم من الأيام نشتكي صرامة أنظمة المرور، وكنا نحسب الف حساب لدورية المرور ولرجل المرور، نراه من بعيد فنتحسس أحزمتنا ومخابئ أوراقنا الرسمية، ونحرص على سلامة تعاملنا مع الطريق ومستخدمي الطريق وأنظمة الطريق، بل ونحرص أيضا على سلامة تعاملنا مع هوامش الطريق ومستخدمي هوامش الطريق وأنظمة هوامش الطريق، ومع علمنا بأن هناك من المحسوبيات ما يمكنه أن يجعل النظر أقل حدة تجاه بعض الأخطاء لكن الجو العام كان جوا يدعو للتقيد بأنظمة المرور هامشا ومتنا.

في تلك الأيام كانت في قريتنا سيارة واحدة فقط تتحرك بشكل يومي من القرية وإليها، وأربع سيارات تتحرك مرة في الأسبوع، السيارة كانت لمعلم يسكن القرية، والأربع كانت لأربعة من أبناء القرية العاملين في سيارات النقل العام بسيارات نقل ثقيل فإذا عادوا للقرية أوقفوا سياراتهم الثقيلة ظاهر القرية واستخدموا الصغيرة طوال يومين أو ثلاثة يكتبها الله لهم في قريتهم وبين أبنائهم .

بعد خمس سنين زادت الواحدة إلى خمس وبقيت الأربع على حالها فقد بدأت بوادر الطفرة المباركة وأظهرت السيارة تفوقا على الدواب ولم تمض خمس سنين أخرى حتى أصبح أمام كل بيت سيارة ، فالطفرة قد دخلت كل بيت بنسب متفاوتة، ورائحة السيارات كانت تنغرس في أقصى خياشيم القرويين حتى باتت جزءا من هوائها العليل.

زاد عدد السيارات زيادة مهولة فأصبحت أمام كل بيت في يومنا هذا من سيارتين إلى خمس سيارات، وتغيرت التركيبة العمرية لسائقيها فبعد أن كانت من فئة لا تتدنى عن خمس وعشرين سنه أصبحت الان تتسع لتجد حتى طفل السادسة مشنوقا إلى مقود سيارة يهيم بها بين الجبال والأودية صعودا وهبوطا، والمدارس التي لم نكن نلاحظ حولها إلا سيارات المعلمين أصبحت الآن غائبة مدفونة وسط ركام سيارات أولادنا حفظهم الله.

هذه الحالة قد نجم عنها ارتفاع شديد في كثافة استخدام الطريق، صاحبه ارتفاع نسبة المجازفين في التعامل مع الطريق وهوامشه، لارتفاع نسبة المراهقين في تركيبة السكان الديموغرافية، ولتوفر المال الذي مكنهم من امتلاك السيارة، ولفشل مؤسسات التربية في القيام بدورها، فكثرت المخالفات وباتت رؤية التصرفات الخاطئة في استخدام الطريق وهوامشه أمرا مألوفا، ويبست كلمات النصح في حلوق الناصحين.

ويسالونك عن المرور قل هو حاضر في هذه المعمعة، يجاهد ما استطاع ، تتجاذب جهده قوتان: تقديره للتركيبة السكانية من ناحية، وهذا البحر اللجي من المستخدمين الذين غلب عليهم الاستخفاف بحقوق الاخرين وعدم تقدير العواقب ، ولذلك يصرخ كثير من الناس أين المرور ؟ واذا رأوا مخالفة تمتموا : اذا غاب القط العب يا فار.

والحقيقة فإنه لا فأر ولا قط في المسألة إطلاقا، ولكن الناس قد غاب عنهم أمر على قدر كبير من الأهمية، السلوك الحضاري الذي يجب علينا أن نغرسه في نفوس أبنائنا قبل أن نهتم بتقويم اسنانهم وتلميع سياراتهم، السلوك الحضاري الذي يجعلك تحترم حقوق الطريق وهوامش الطريق سواء حضرت دورية المرور أم غابت، السلوك الحضاري الذي يملي عليك معرفة حقوق الآخرين ومعرفة حدودك، دون أن يفرضها عليك أحد أو يقف عليك واقف ليتحقق من التزامك بها.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button