فلا زلنا في بلادنا نقرأ ونسمع بين الفينة والأخرى؛ عن وقوع حالات انتحار للنفس ، وإزهاق وقتل للروح ، وما ذلك إلا نتيجة لضعف الإيمان في قلوبهم، وسكن الاكتئاب في نفوسهم، وحدوث اختلال مؤكد في عقولهم.
ويعد المكتئبون من أكثر المرضى النفسيين ميلاً وإقداماً على الانتحار، إذ قد تزداد أفكارهم السلبية؛ حتى تسيطر عليهم أفكاراً خطيرة ؛ تجعلهم يحبون الموت، ويكرهون الحياة، وهذا ينطبق كذلك على حالة المفحطين الشقية ، الذين يستخفون بأرواحهم، وأرواح غيرهم .
وجميعنا يدرك أن منهجنا العظيم يحرم هذا الجرم الكبير، والفعل الشنيع، فمن قتل نفسه بحديدة، أو تردى من جبل، أو تحسى سماً؛ فهو في نار جهنم خالداً مخلداً أبداً، (أو كما قال عليه الصلاة والسلام).
كذلك تنتشر في مجتمعنا؛ حالات مرضية متأزمة؛ تعاني من الحزن وضيقة الصدر، ومن التفكير في الموت ، والرغبة في الخلاص من هذه الحياة ، وهذا يقع بسبب فقدانها لإنسان عزيز ؛ أو نتيجة لإصابتها بمرض خطير ، أو بسبب نكسة مالية، أو صدمات واجهتها ، أو صعوبات أعاقت طريقها.
إن الاكتئاب من الاضطرابات الشائعة والمنتشرة بين الناس ، خصوصاً لدى المصابين بأمراض مزمنة، ولدى نزلاء السجون، ومدمني المخدرات.
وهو يوجد لدى النساء بصورة أكثر من الرجال، خصوصاً ما يقع لهن بعد الولادة، كما يعظم هذا المرض ويزداد مع تقدم العمر، إذ يشعر بعض الأفراد؛ أنهم أصبحوا عالة على الغير، وأن دورهم في الحياة قد انتهى.
وكما هو معلوم؛ فالاكتئاب ليس مرض نفسي فقط، وإنما هو نفسي وعضوي، حيث يؤثر على جميع أعضاء الجسم، وعلى نومه وغذائه، وعلى طريقة تفكيره، ومظاهر سلوكه.
تجد المكتئب فاقداً لشهية الأكل، كثير النوم، أو يشكو من الأرق، يميل إلى العزلة والوحدة، والصمت والسكون، والشرود والذهول، كما يحمل في وجدانه مشاعر من الحزن واليأس، والقلق والتوتر ؛ والتي تبقى ملازمة له ومسيطرة عليه؛ مما يفقده الحيوية والمناشط اليومية.
ولاشك أن المسلم يدرك أن ما يصيبه من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ، ولا أذى ولا غم ؛ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه، فإذا أيقن بذلك صبر ونال الخير والأجر.
كما يعلم أن من الأدعية ما يقيه من هذا المرض: ” اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع (ثقل) الدين وغلبة (تسلط) الرجال “، وأن منها ما يعالجه ، ويعيد لنفسه استقرارها وطمأنينتها: ” اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك، عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو إستأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي “.
إن المكتئب يستطيع التخلص من الحزن والكآبة، وأن يحصل على الأنس والطمأنينة؛ إذا أكثر من قراءة القرآن الكريم؛ ومن سماعه وسماع المحاضرات المفيدة، وحرص على ترديد الأذكار والأدعية، وكسر طوق الانعزال والأوهام والأفكار السوداوية، وخلص نفسه من الماضي، ومن التفكير في المستقبل، ومن المشاعر السلبية؛ كمشاعر الغضب والغيرة والعدواة، وأشغل نفسه بعمل مفيد يختلط فيه مع الناس،ومارس مناشط وهوايات نافعة؛ كالألعاب الرياضية، والرحلات الخلوية.
ومما يفيده كذلك؛ كتابة ما يعنّ له، ويعتمل في صدره، ويشغل تفكيره، ثم يمزق بعد ذلك ما كتبه، أو يحرقه، ليكون نوعاً من التنفيس الذي يعينه على مسح ما تراكم في عقله الباطني.
وعلى أسرة المكتئب توفير بيئة آمنة داعمة، تشجعه على المشاركات الإيجابية، وحضور المناسبات الاجتماعية، وأن تعمل على مدحه بدلاً من انتقاده ، فالانتقاد والكلام السلبي؛ يزيد في الاكتئاب.
كذلك ينبغي عدم الالتفات لشكاواه المتكررة، وتجاهل سماعها ، لأن هذا يساعده على قطع دائرة تفكيره المرضي، وتحسين تصوره عن نفسه، مما يفيده في اتخاذ قراراته، وإدارة حياته على الوجه الأفضل.
وأما إن ازدادت الحالة سوءاً وتدهوراً، فعليهم مساعدته على مراجعة الطبيب النفسي؛ لعلاجه بالأدوية المساعدة على تحسين المزاج، والتخفيف من الأعراض، والتي لا تظهر ثمرتها قبل ستة أشهر من العلاج المتواصل، على أن يرافق ذلك إرشادات دينية، وتوجيهات معرفية، ومناشط اجتماعية مبهجة؛ ترمم الذات، وتشحذ العزيمة ، وتقوي الشخصية.