المجتمع

عادة العزاء أخذت منحى غير الحزن والمواساة

مكة المكرمة : عبير العيد

بعد تشييع الجنازة يفتح أهل المتوفى أبوابهم لتقبل العزاء ويبدأ المعزين بالتوافد على هذا البيت لمدة ثلاثة أيام وقد تتجاوزها لأكثر من ذلك ويكون عادة استقبال المعزين في البيت للنساء , أما الرجال فيكون في اقرب ساحة من البيت حيت ترص فيها الكراسي المستأجرة وذلك إن كان البيت لا يستوعب المعزين لضيقه, ويتم الاتفاق على شخص يقوم بعمل القهوة والشاي للمعزين الرجال "القهوجي" طيلة الثلاثة أيام,
ويتكبد أهل الميت بهذا التجمع الكثير من الخسائر والتي ما انزل الله بها من سلطان .

…العزاء عادة اجتماعية بدأ كثير من الناس يرى إنها أخذت منحى غير الحزن والمواساة ظهر بها الكثير من التقليعات والبدع..وكل هذا يتكئ على كلمة "إكرام الضيف" و أصبحت تصدُق مقولة "موت وخراب ديار" على مراسيم العزاء
يحيى احمد موظف في الشؤون الصحية يقول كلفني وفاة زوج ابنتي الكثير من الخسائر فقد استمر العزاء لدى النساء أكثر من ثلاثة أيام , ألزمت بأن احضر كمية كبيرة من التمور وان أوفر اللبن ولوازم الشاي والماء والمناديل هذا غير توصيل بعض المعزيات لبيوتهن بعد نهاية العزاء في ذلك اليوم , وتحضير وجبات الغداء والعشاء باستمرار طول الثلاثة أيام المخصصة للعزاء هذا غير فتح كامل البيت للمعزين والاستهلاك الكبير للكهرباء والماء ,بالرغم من إني محدود الدخل ولدي عدد من الأبناء.

وقد يصل الحال بأهل الميت بأن يحرصون على توفير بعض الملابس للمعزين وذلك لحضورهم المفاجئ للعزاء وعدم تمكنهم من تجهيز ملابس لارتدائها او تبديلها وهذا ما حدث مع أسرة المتوفى حيث تقول ابنته نجوى الحسن" معلمة" أنهم اضطروا ان يجاملوا بعض المعزين بتوفير الملابس لهم وذلك لأنهم سمعوا بالخبر فجأة وحضروا لذلك وسيبقون ثلاثة أيام وهي أيام العزاء ولم يحضروا معهم أي ملابس لتبديلها .

وتتحدث بدرية آدم "محضرة مختبر"عن عزاء والدها المتوفى قبل شهور بأنه كان اقرب للاحتفال منه للعزاء فقد أتاهم المعزين من كل حدب وصوب واكتظ البيت بهم بل ان كثيراً منهم فضل المبيت لديهم ويرون أن في ذلك مواساة لهم ولكن هذا الأمر أدى إلى إرباكهم نفسياً ومادياً فلم يتوقف الأمر على وجبتي العشاء والغداء بل وجبة الفطور والتسالي وغيرها ..وترى انه من المفروض ان تكون التعزية مشاركة في الشعور وتطييب لخاطر أهل العزاء لدقائق معدودة ومن ثم يذهب كلٍ لحاله .

ذهبت لتعزية إحدى جاراتي في وفاة ابنها وعندما دخلت الغرفة التي فيها ام الميت وأخواته تفاجأت بمجموعة كبيرة من الكراسي وقد وضعت باتجاه أهل الميت بحيث يشبه الجلوس في المسرح أمام المطرب او الخطيب …استغربت لهذه التقليعة الجديدة في العزاء وكذلك إحضار داعية تقوم بإلقاء محاضرات على المعزيات , وتدار القهوة والتمر بأشكاله وألوانه عليهن فلا يكتفى بنوع واحد من التمور …ويتم الأمر على هذا الحال لمدة ثلاثة أيام.

أما ريم المحمادي فتقول قرر شقيقها بعد وفاة والدتها بأن لا يقدم للمعزين أي وجبة وذلك حتى يقطع هذه العادة السيئة ورفض أي مساعدة من أقاربه بعمل أي وجبة للمعزين , ولكنه في نهاية اليوم اضطر لشراء وجبة عشاء لكثير من المعزين الذين ظلوا بالبيت بانتظار الطعام.

يرى العمدة نايف الخزاعي عمدة محلة الطنضباوي بمكة المكرمة ان العزاء هو عادة بين الناس ولها من التكاليف كما ما للزفاف او المناسبات الكبيرة ولكن تعود الناس على توفير الوجبات للمعزين وبذلك يلجأ الكثير منهم للمكوث من اجل تناول الوجبة المحضرة وفي ذلك تقييد لأهل الميت وإرهاق لهم ولكن يظل الكرم وحسن الضيافة هو الأمر الذي يتحكم في أهل الميت وأحياناً يقوم الأقرباء بتحضير وجبة العشاء او الغداء ومساعدة أهل الميت في ذلك ولكن يعتبر مثل الأمر مردود او مسترجع عند أي مناسبة لهم.

وعن ذلك تقول زهور الصعيدي الباحثة الإجتماعية في مستشفى الملك عبد العزيز بمكة المكرمة نحن كعرب ومسلمين لنا عادات وتقاليد إجتماعية بالنسبة لإكرام الضيف وبالرغم انه في الفترة الأخيرة ظهرت علينا الكثير من الفتاوى التي تحرم على أهل الميت توفير او تقديم أي من لوازم الضيافة للمعزين ولكن أرى ان ذلك من إكرام الضيف فالنبي صلى الله عليه وسلم أكرم الضيف وأمر به واعتبره من حسن الخلق ولكن ان يصل إكرام الضيوف المعزين بان تخصص لهم وجبات كبيرة او يصل الحال للبوفيه المفتوح واستئجار استراحات وجعلها أماكن لاستقبال العزاء وتحديد مواعيد معينة لاستقبال المعزين فهذا ما أرى انه من العبث الاجتماعي فالمفروض ان يكون أهل الميت في حال حزن فعلاً وليس لهم بال او نفسية للاهتمام بهذه الأمور, والغريب انه أصبح هناك بين النساء ما يسمى بملابس العزاء بأن يكون ضمن ملابسها الخاصة قطع مخصصة للتعزية او استقبال المعزين وجعل ماكياج معين للعزاء وفرش السفر الزائدة حتى تصل للشارع او إحضار خادمات للمباشرة او خدمة المعزين والكراسي حيث تطورت مراسيم العزاء بشكل ملفت للنظر ومثير للرأي.
اما عن تحضير الوجبات للمعزين او أهل الميت بشكل معقول فهذا من التكافل الاجتماعي فعادتاً يكون أهل الميت مشغولون عن إكرام ضيوفهم فيقوم الأقارب او الأصدقاء بتوفير هذا الأمر حتى يصل أحيانا لتقاسم مستلزمات العزاء من طعام وقهوة وتمر وغيرها .

وعلق على ذلك مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة احمد قاسم ألغامدي بقوله انه من المشروع في الدين الإسلامي مواساة أهل الميت في ما فقدوه والوقوف بجانبهم بالدعاء لميتهم ومواساتهم فيما أصابهم بأنه من قضاء وقدرة وأن لله ما اخذ وكل شيء عنده بأجل .
ومن حقوق أهل الميت في العزاء عدم الإثقال عليهم بكثرة الجلوس او باستغلال القرابة وعدم التحرج من الإطالة لديهم , او من يشعرهم بضرورة عمل وليمة او طعام وهذا مخالف للمشروع وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك فيما رواه عنه الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يعدون صنعة الطعام والاجتماع عند أهل الميت من النياحة والنياحة محرمة ومن كبائر الذنوب .
كما انه ليس من المشروع تخصيص لباس للعزاء أو أي صفة للزينة فإن ذلك كله لا أصل له في الدين .
والمجتمع المسلم مجتمع يؤمن بالله وبقضائه وبقدره خيره وشره والواجب الاكتفاء بالتعزية حسب ما تيسر ,فإن كان فالحضور أو الاتصال الهاتفي أو غير ذلك من وسائل الاتصال والتي تؤدي الغرض من مواساة أهل الميت في ما فقدوه دون زيادة على ذلك .
والإسلام دين عمل ودين تفاؤل وقد أفضى الميت من عمل ولا يجوز عليه إلا الدعاء , ومواساة أهله وفق السنة ودون تكلف خارج عن الهدي النبوي وهو الذي يعيد لأهل الميت معنوياتهم ويدفعهم للتفاؤل لا إلى المزيد من الحزن والأسى .
وقد يعتقد البعض ان مظاهر الحزن والتألم من مظاهر حقوق الميت وليس هذا بصحيح فقد توفى للنبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم فحزن عليه وأدمعت عيناه وترحم وصبر ولم يقل سوى (إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون).
ان التكليف في مظاهر العزاء بصوره المختلفة مثل قراءة القران في أيامه او إقامة الولائم او لباس وهيئة خاصة فيه كل ذلك مما لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم وليس من هديه ويعتبر من البدع .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مراسم العزاء لدينا أهل مكة الأسهل والأيسر لأهل الميت حيث أني رأيت العزاء لدى إخوتنا من الجنسيات الأخرى .. فالسودانيين مثلا ليس لديهم وقت محدد لاستقبال المعزين فيضطر أهل الميت المكوث في دار العزاء صباح وظهر ومغرب وعشاء وتطول الأيام وقد تصل إلى ١٥ يوم بحسب مكانة المتوفي وشهرته .. وهذا فيه من الإرهاق والتكلفة الكثير والكثير ..

    أما من انتقد صفوف العزاء كأنها مسرح .. فأيضا هذه الطريقة هي الأيسر لأن لدى بقية الأماكن في المملكة الطريقة مختلفة وأصعب حيث يتوزع أهل الميت في غرف منزلهم ويدور عليهم المعزين بالبحث عنهم بين الغرف مما يحدث البلبلة والتزاحم داخل المنزل بينما تجمعهم في مكان واحد للعزاء ولمدة محددة هو الأيسر والأسهل ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى