قالوا لي: ستحتفي جمعية الثقافة والفنون في الباحة بيوم الشعر العالمي فقلت : الغريب ألا نحتفي بالشعر، بل هو المؤلم المدمر أيضا ألا نحتفي بالشعر، وفي ليلة الاحتفاء تلك أرى الاحتفاء بالشعر فاتحة الخطى على الطريق الجميل.
إن ملامح الاحتفاء بالشعر في هذه الديار كثيرة جدا ويصعب حصرها، فالناس هنا محبون للشعر الجميل فكانوا اذا طرقت أسماعهم قصيدة مدهشة حفظوها ، رجالهم ونساؤهم وأطفالهم ، تداولوها في أسمارهم وتمثلوا بها في حجاجهم ، وان جاءتهم من خارج ديارهم حفظوها ونسجوا على منوالها معارضة لها.
نسجوا على منوال المرحوم بديوي الوقداني ، شاعر الحجاز الذي عاش بين عام 1244هـ وعام 1296هـ عندما حملت لهم ريح الحجاز قصيدته العظيمة ” أيامنا والليالي كم نعاتبها” ونسجوا على منوال محمد بن سرّار الشهراني الذي عاش متقدما بسنوات قليلة عن الوقداني ،عندما زفت لهم ريح الجنوب قصيدته المدهشة ” ان عشت يا راسي كسيتك عمامة ” .
ولقد اطلعت على نماذج من تلك المعارضات الرائعة التي يحفظها الرواة الذين التقيت بهم في بادية غامد عندما كنت استكمل معلوماتي حول أوابد المنطقة وتاريخها وأخبارها ، وهي من الجودة بمكان ولعل الأيام تتيح لي فرصة نشر تلك النماذج ليعرف القارئ مدى حفاوة أهل الباحة بالشعر.
على إن أهم ملامح الاحتفاء تلك هو ذلك الاحتفال البهيج الذي اقترن بيوم العيد، المسابقة الكبرى التي كانت تقام سنويا في سوق رغدان ( من أسواق زهران وغامد) تحت شجرة الجميز، أو شجرة الرُّقَّاعة (على وزن الرُّمَّانة ) أو الرُّقَّعة ، شجرة عظيمه اختارها الأجداد وزرعوها في أسواقهم ، فهي شجرة معمره، وهي شجرة اذا كبرت تأخذ شكل مظلة كبيرة فتترك ظلا وارفا.
في عصرية العيد يعلق أحد شيوخ القبائل مِصْنَفَاً ( رداء من القطن او الكتان من نسيج اليمن) جائزة يتنافس عليها الشعراء، وحسب الروايات فإن طبيعة تلك المنافسات وآلياتها تختلف من عيد لآخر، ولم تكن الآليات مهمة بقدر ما هو الاحتفاء مهم ، ولم تكن الجائزة عالية القيمة فالهدف الاحتفاء بالشعر في يوم عيد، والجائزة بالسعي لها والظفر بها لا بقيمتها المادية.
وكان الناس يتلقفون وقائع تلك المسابقة التي يجلس القفير (حكم ذلك الزمان) لتحكيمها واعلان نتيجتها والفصل فيما يتصل بها من شئون وشجون، ويتناقلون ما قيل فيها من شعر، وان كان الشعر آنذاك بلهجة محكية فإن هذا لا يتعارض مع معاني الاحتفاء، فالعامية والفصحى تتساوى أكتافهما أمام معاناة الانسان وأمام تجربته، لهذا ولغيره قلت: الغريب ألا نحتفي بالشعر، والسلام.
محمد ربيع الغامدي
السلام عليكم و رحمة الله تعالى على القائمين
على هذه الصفحة الهادفة…
حماية التراث الثقافي بمختلف أصنافه
اعتقد انه يكمن في اعادة انتاجه بمختلف
الوسائط و الامكانيات الموجودة…
وفقكم الله تعالى
محمد داود
السلام عليكم و رحمة الله تعالى على القائمين
على هذه الصفحة الهادفة…
حماية التراث الثقافي بمختلف أصنافه
اعتقد انه يكمن في اعادة انتاجه بمختلف
الوسائط و الامكانيات الموجودة…
وفقكم الله تعالى
محمد داود