من يعتمد في عمله على إرضاء بعض الفئات على حساب منظومة عمل بأكملها لن يستمر في مكانه مهما وجد من دعم ومساندة، فهذه الأمور يكشفها أفراد المجتمع بمجرد أن يلاحظوا الخلل في وضع معين.
أصبحت المجتمعات والشعوب أكثر وعياً من ذي قبل، ولديهم القدرة على التعبير عن آرائهم ومواجهة الحجة بالحجة وإظهار نقاط الخلاف أمام الرأي العام بالأسلوب الذي يكفل لهم سماع أصواتهم والاستجابة لمطالبهم دون الإضرار أو التجاوز في طرح ما يرونه خطأ يعيق تقديم ما يتمنونه على مختلف المستويات في أي مجال من مجالات الحياة، وهذا الأمر يفرض على كل مسؤول أن يفهمه ويدركه جيداً؛ مهما بلغت مكانته ودوره في المجتمع، وأن يعتبر هذا النضج الحاصل من أثر الثورة المعلوماتية والتقنية دافعاً له لتقديم عمل ترضى عنه النسبة الكبرى من أفراد المجتمع، ويدرك جيداً أنه تحت الرقابة والمتابعة، ليس فقط من الجهة المسؤولة عن أداء عمله، بل من كل شرائح المجتمع.
في الأيام القليلة الماضية حدثت في الوسط الرياضي بعض القضايا والأحداث التي لا يمكن أن تميل فيها مع أي اتجاه، وهي من خلال نظرة عامة تجسد الشق العاطفي والعملي في الوقت نفسه، ولن تجد من يستطيع أن يلوم أي شخص في هذين الجانبين؛ لأن الجزء العاطفي يقودنا إلى جزئية الوفاء والجحود والتنكر، والجزئية الأخرى تعتمد على وجهة نظر عملية بحتة تهدف لتقديم عمل ناجح.
ما أعنيه هنا -بكل وضوح- هو إدارة الاتحاد التي قررت إبعاد محمد نور عن الفريق بطريقة غير لائقة، ولا أخفيكم سراً أنني كنت من أكثر الناس حزننا على هذا القرار، ومثلي كثيرون؛ لأنني نظرت للأمر من الجانب العاطفي وعدم وفاء الإدارة الاتحادية لنجم خدم الرياضة السعودية ونادي الاتحاد، ووجدت في هذا القرار جحوداً، وهذا الأمر يضر بالجوانب التربوية التي يجب أن يتعلمها النشء من خلال تنمية روح الوفاء بالشكل الذي يتوافق مع ديننا وأخلاقنا الإسلامية، وفي الوقت نفسه نستطيع أن نقول: إن إدارة الاتحاد رأت في هذه الخطوة نجاحاً على المدى البعيد، وكان من الضروري عمل هذا الأمر؛ فالجمهور الاتحادي ينتظر نتائج ولا يمكن أن تتحقق هذه النتائج بالعواطف والمجاملات، فكان القرار على الجانب الإنساني قوياً وصعباً على الجميع، وعلى الجانب العملي مُهماً وضرورياً؛ حتى ينهض الاتحاد من جديد ويعود لجو المنافسة ومقارعة المنافسين بكل قوة.
استشهدت بما حدث في الاتحاد حتى أوضح بالشكل المناسب أهمية الجانب التربوي المتمثل في قيمة الوفاء، وكذلك الجانب العملي المتمثل في نوعية القرارات المؤثرة، ولعل ما قاله أسطورة كرة القدم السعودية ماجد عبدالله يجعل من هذا الأمر أكثر أهمية، فهو الرجل الخبير الذي صال وجال خلال سنوات طويلة من العطاء وهو يرى من منظور الرياضي الخبير أن الرياضة السعودية -وتحديداً كرة القدم- لن تتقدم وهي تدار بالعاطفة وتأثير بعض الإعلاميين الذي يؤثرون في بعض القرارات وفق عواطفهم وميولهم لأنديتهم أو لنجومهم المحببين لهم، وهذا الأمر -من وجهة نظر ماجد، وأتفق معه تماماً- يشكّل أزمة حقيقية يجب الحذر منها وتلافيها؛ حتى نستطيع أن نميز ما تقتضيه المرحلة، سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات.
قضية نور والاتحاد فتحت باباً مهماً كان من المفروض أن يفتح ويناقش حتى يمكن الاستفادة منها، وهي قضية بمنظورها العام بين (العاطفة والعمل)، ولا أريد أن يُفهم من حديثي هذا أنني أرمي إلى عزل عواطف البشر ممن حملوا أمانة المسؤولية عن دورهم العملي، فالإنسان بطبيعته يتأثر، لكن في الوقت نفسه لا أريد أن تكون عواطفنا سبباً مباشراً في ابتعادنا عن تحقيق النتائج الإيجابية المهمة، في هذا الأمر يجب أن يكون هناك فصل بين الجانبين؛ حتى لا يتأثر الجانب الأساسي بالجانب الثانوي الذي لا يشكل قيمة أساسية لنجاح العمل وتقدمه.
محمد نور أسطورة كروية من أساطير كرة القدم القلائل في السعودية، وهو يستحق كل تكريم ووفاء، غير أن ما يحدث من الجماهير والإعلام والحزن الذي ساد الوسط الرياضي هو أمر مستغرب في زمن الاحتراف، وقد يصنع نور تاريخاً آخر في مكان آخر بعيد عن الاتحاد.
هي مصلحة (خاصة وعامة) في الوقت نفسه: الخاصة تمثلت في قرار نور واستمراره كلاعب ورفضه فكرة الاعتزال، والعامة تمثلت في الاتحاد وقرار إدارته، من هذا المنطلق يكون التفكير السليم.. وشكراً لمحمد نور فقد كان سبباً مباشراً في إثارة (قضية) كان الصراع فيها بين مقتضيات العمل و مقتضيات العاطفة..
ودمتم بخير،،[/JUSTIFY]