من أحلى هدايا الانترنت في شهرنا المبارك هذا تلك الحلقات المتتابعة من جلسات الذاكرة التي يحدثنا فيها الكاتب الأصيل الأستاذ حسين بافقيه وهو يتأبط الماضيين القريب والبعيد ليغدو حديثه أشبه برواق ممتد يعج بالأسماء والأحداث والمفردات ترقب الطائفين بعيون ملؤها الحب.
خيّل لي في بداية الأمر أن سرد الذكريات لايكون في الانترنت إلا نصوصا كتابية تقرأ، فقد اعتدنا عليها مذاعة أو متلفزة عبر الاذاعة والتلفزيون وكنت سأقترح على الصحيفة أن تفرغ الحلقات في مسطّرات نصية وأن تترك المتلفزات لعشاق اليوتيوب فذلك أقسط ، لكني تراجعت مع الحلقات الأولى وأصبحت يوتيوبياً بجدارة .
ولئن كان رواق بافقيه قد قدم هويته عبر اسمه أولا فإن بافقيه نفسه قد أكد على تلك الهوية مجددا مع أول اطلالة له، ساعة أن أكد على تفرد شهر رمضان بالحفاوة تفردا ما حظي به شهر قط من أشهر العجم والروم والقبط أو أي أمة من الأمم، حتى بات شهر رمضان مهرجانا للعادات والتقاليد ضمن إطار من روحانية تسمو حتى بأدنى اللفتات والسكنات.
طافت بنا ذاكرة بافقيه أروقة العصور رواقا رواقا ، منذ اسماعيل عليه السلام الذي وصفه بالمكي الأول وإلى أن حط رحاله في أكناف القرن الخامس عشر الهجري ، مرّ بأعلام فيهم الهولندي سنوك ، وطاهر زمخشري ، والزيدان ، وشيوخ السيوطي ، وفاطمة الزبيرية ، وتوقف عند أوابد ومظاهر اجتماعية شتى فيها المسحراتي وفيها ألوان الطعام المكي حتى أن رائحة المطبخ المكي ” يسمونه المركّب آنذاك ” كانت تتسلل إلى أنفي رغم بعد المكان والزمان، وفيها العادات الاجتماعية عامة والرمضانية خاصة في مكة المكرمة وسائر الحجاز، وفيها نجوم الليل وفوانيسه، وفيها مكتبات مكة ومطابعها، وفيها المواسم التي اعتاد عليها المكيون كل موسم في موسمه المعلوم.
توقفت عند الحلقة الخاصة بالراحل محمد حسين زيدان، رجل الثقافة السعودية الوضيء ، ومؤرخها الفاتن الذي اعتبره بعض عشاقه زوربا الحجازي، ولقد كان لتوقفي عند الزيدان أسباب منها أنه كان رحمه الله علم المرحلة الثقافية التي سحرت لبي وأدهشت جيلي، ومنها موسوعيته المذهلة التي تضعه في أي مكان يشتهي من عقولنا ، ومنها امتلاكه لناصية الحديث وقدرته على ارتجال السرد وهو يحكي مشاهداته لمشاهديه عبر التلفزيون، وقد ذكّرنا به بافقيه مرتين، مرة وهو يتحدث عنه ومرة وأنا استحضره في شخص بافقيه نفسه الذي كنت أعده – وهو في غنى عني – بقية من الأولين وثلة من الآخرين .
ومنها أن الزيدان رحمه الله كان الوحيد الذي التفت نحونا مسلما وهو في صف طويل من الرواد يشق طريقه عبر مسلك أسفل منا نحو منصة التكريم في مؤتمر الأدباء السعوديين الأول المنعقد في حدائق الزاهر بمكة المكرمة منذ أربعين سنة ، وكنا طلاب جامعة ذلك الزمان نداوم على حضور جلسات المؤتمر ونعدها فرصة تاريخيه رأينا فيها معظم روادنا الكبار وفيهم كل ذي همة أسهم في رفع سمك ثقافتنا المعاصرة فأحسن ما صنع، وكنا ساعتها قد وقفنا اجلالا واحتراما لمرورأولئك الرواد، وعندما مرّ الزيدان التفت وقال : السلام عليكم يا شباب، وكأنه قالها البارحة ثم أردف بلهجته الحجازية : ” يالله شدوا حيلكم عقبالكم” أو قال ما يقترب من ذلك.
وأخيرا فلقد جاءت هذه الحلقات كماء على ظمأ، بعد أن غابت مثل هذه البرامج الحميمة بغياب أعلامها الكبار كالشيخ الطنطاوي والشيخ محمد حسين زيدان رحمهما الله ، ولقد أحسن بافقيه وأبدع وقام مقام الشيخين الراحلين حتى جاءت حلقاته جميعها وكأنها غلالة شفيفة تشف عن عبق الزمان وعن فتنة المكان.
محمد ربيع الغامدي
أنا أعجز عن الشكر لهذه القامة الثقافية الباذخة أستاذي الجليل محمد بن ربيع الغامدي -أبي أحمد- فلقد غمرني بعطفه، وأولاني رعايته، ومنحني كل هذا الحب.
ماذا أقول لهذا الأستاذ الجليل، أحد شهود العصر، بما تختزنه ذاكرته من أسماء وأحداث؟
أنا جِدّ مبتهج بهذه الشهادة الباذخة من اسم كبير في ثقافتنا، يعبِّر عن أنقى ما يحمله المثقف من قيم.
شكرًا لأستاذي الحبيب محمد بن ربيع الغامدي وخواتيم مباركة.
أنا أعجز عن الشكر لهذه القامة الثقافية الباذخة أستاذي الجليل محمد بن ربيع الغامدي -أبي أحمد- فلقد غمرني بعطفه، وأولاني رعايته، ومنحني كل هذا الحب.
ماذا أقول لهذا الأستاذ الجليل، أحد شهود العصر، بما تختزنه ذاكرته من أسماء وأحداث؟
أنا جِدّ مبتهج بهذه الشهادة الباذخة من اسم كبير في ثقافتنا، يعبِّر عن أنقى ما يحمله المثقف من قيم.
شكرًا لأستاذي الحبيب محمد بن ربيع الغامدي وخواتيم مباركة.