في السنوات القليلة الماضية شهد العالم العربي طفرة كبيرة في مجال استطلاعات الرأي في مختلف القضايا والمجالات وأصبحت تلك الاستطلاعات مُساهمة إلى حد كبير في صناعة القرار لتحقيق القدر الأكبر من التوافق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي نحو الاستقرار وهو شرط أساسي في بناء أي مجتمع وتطوره ، وأصبحت استطلاعات الرأي لها أهمية متزايدة في الوقت الحاضر ، بحيث أن هناك العديد من المعاهد والمراكز المتخصصة في دراسة واستطلاع الرأي عبر العالم ، ويُعد قيام هذه المراكز خطوة أساسية ومهمة في العملية الديمقراطية .
وقد عرفت المجتمعات القديمة طرقا بسيطة لمحاولة معرفة أراء الناس في بعض الأمور التي تتعلق بهم ولعل أشهرها قيام بعض الحكام في إطلاق بعض ما يسمون ” العسس ” للتجسس على أحوال الناس ومعرفة أقوالهم وأرائهم ومن ثم يبلغونها للحاكم ، وفي ذلك سيرة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه – حيث أنه كان يخرج متخفيا ليسمع رأي الناس فيه وفي حكمة .
في كتاب ” المتلاعبون بالعقول ” يذكر مؤلفه الأمريكي هربرت أ،شيللر أن استطلاعات الرأي هي واحدة من الاختراعات الأكثر حداثة في المجتمع الأمريكي ، شأنه في ذلك شأن الاكتشافات التكنولوجية التي ابتكرها الإنسان في القرن الماضي ، مثل : أجهزة الكمبيوتر ، الطائرة وغيرها .. وهو يقول أن ” هنالك أنواع أخرى من الاختراعات ، ومن العناصر ذات الأهمية للرأي حيث أنه يمثل اختراعا لا يمكن فصله عن النسيج المؤسساتي الذي يعمل من خلاله ، فهو في المقام الأول أداة تخدم أهدافا سياسية ” .
استطلاعات الرأي التي تجري في كثير من الدول لا تُعبر بالضرورة عن حقائق وشواهد ، ولكنها عبارة عن نتائج استرشادية مهمة تُفيد في تحديد توجهات المجتمع إزاء بعض المواضيع المهمة . لذلك مازال صناع القرار في الدول العربية يتجنبون الاعتماد على هذه الاستطلاعات بل أنهم أحيانا يتهمون الناس بالجهل وعدم الدراية بالأمور ، لذلك فإن عدم ثقة النخب الحاكمة بهذه الاستطلاعات من أبرز معوقات أخذ استطلاعات الرأي دورا في صناعة القرار .
نحن في بلادنا في امس الحاجة لإنشاء مراكز ومعاهد متخصصة لاستطلاعات الرأي للتخطيط ولقياس اتجاهات الرأي العام السعودي مما يساهم في دعم صانع القرار والمختصين والمهتمين في جميع القضايا من وضع قوانين وسياسات وقرارات وتوصيات تُساهم في بناء المجتمع .
[/JUSTIFY]