يا أخي : أنا حلمي بسيط لا أريد أن أصبح عالما ولا أديبا ولا حتى مهندسا و لا طبيبا، أريد وظيفة وبيت والستر فقط ، فهل في ذلك خطأ أو عيب ؟ قلت : اتفق معك ، فليس كل الناس يريدون ذلك ، بل البعض يريد أن يقوم بأعمال روتينية وحياة هادئة والسلام.
انفض المجلس ولكن ظللت مشغول البال ، ما الذي يمكن أن تقدمه هذه الشريحة من المجتمع بأقل جهد وعناء ؟! ، لأننا لا نريد أن نخسر أي شريحة في المجتمع ، فكل له دوره من رأس الهرم إلى قاعدته.
لا شك أننا نتفق معه قد لا يكون حلمه بأن يكون من ضمن طبقة النخبة والتغيير ، و لا من ضمن الطبقة البرجوازية أو الوسطى ، ولكن هناك أداور أخرى في الحياة لا أعتقد أنها تكلف ذلك الجهد الثمين .
أي واحد منا قد يكون مثلا أبا أو أما أو عما وخالا أو قريبا لأحد الأطفال، كل ما علينا فعله هو التشجيع مع قليل من المتابعة من وقت إلى آخر ، نحن لا نطالب الآن ببذل الغالي والنفيس ، بل التشجيع مع قليل من الجهد والهدايا المناسبة.
أذا كان الطفل يحب الرسم مثلا فقل له : هذه من أجمل اللوحات التي رأيت ، ولو استطعت أن تشتري منه اللوحة ففعل ! أشعره بأن أعماله لها قيمة مادية ومعنوية ، وربما تكون الأقلام الملونة وأدوات الرسم هي الهدية المناسبة له أو زيارة المعارض الفنية . وإذا كان الطفل يحب العمل اليدوي فاشترى له ألعاب الفك والتركيب وما شابهها، وواظب على ذلك من وقت إلى آخر ، فالطفل سوف ينتظر رؤيتك بشوق ولهفة لأنك تفهم ما يريد.
عندما بلغ اينشتاين سن الرابعة أهداه والده بوصلة جعلته يتساءل عن قوانين الكون ، وأهداه عمه كتابا في الهندسة فأنارت له الطريق. وأهدي إلى أديسون وهو صغير كتاب في العلوم به بعض التجارب العملية ، فاعتبره كنز دفين لا يقدر بثمن.
قد لا يكون من أحلامك ولا من أهدافك أن تكون ذو بصمة ظاهرة في المجتمع ، ولكن بقليل من الجهد والعطاء الذي لا يكلفك ذلك المشقة والتعب قد تصنع عالما أو مفكرا أو أديبا ، بل ربما تصنع تاريخا جديدا بكلمة وأنت لا تعلم ، لم يكن شيخ البخاري يعلم أن كلمته : وددت لو أن أحدا جمع الصحيح في كتاب قد أثرت في نفس البخاري وألهمته أن يكتب كتابا يصمد شامخا عبر التاريخ ، فصار لذلك الشيخ الفضل بعد الله.
[/JUSTIFY]