المحليةالمقالات

رمضان وذكريات القراء (1-3)

يبقى الصوت الحسن في قراءة القرآن أمرا مطلوبا لدى المستمع، وكم من شباب قطعوا المسافات لكي يستمتع بتلاوة القرآن والتأثر بآيات الله الكريمة عند سماعها ممن كتب له الله القبول لدى الناس، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أول من حث على تجميل الصوت الحسن وحبه لسماع القرآن الكريم من غيره، فقد سمعه من الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود وقال عن ذلك – صلى الله عليه وسلم – ‘من أراد أن يسمع القرآن غضا طريا كما أُنزِل فليسمعه من ابن أم عبد’، وقد قرأ عليه من سورة النساء حتى وصل إلى قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا) فقال له المصطفى – عليه السلام: ‘حسبك’، فنظر إليه ابن مسعود فإذا لحيته ابتلت بالدموع، كما سمعه – صلى الله عليه وسلم – من الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري الذي لم يكن يعلم أن النبي يستمع إليه، سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال له: ‘أُوتِيتَ مِزْمارا من مزاميرِ آل داودَ’ (2) فقال: ‘لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا’؛ فقد كان صوته جميلا جدا في القرآن؛ لذلك امتدحه النبي – صلى الله عليه وسلم -، يقول الشيخ عبد الكريم الخضير، عضو هيئة كبار العلماء: ‘إن هذا ليس له أثر على الإخلاص، يعني مزيد تحسين الصوت ليس له أثر على الباعث على أصل القراءة، فالباعث أنه يقرأ لله – تعالى – لكن كونه يزيد في تجميل الصوت هذا قدر زائد على القراءة، فالمقروء لن يزيد فيه أبو موسى من أجل النبي – صلى الله عليه وسلم -، إنما يزيد في تحبير الصوت وتزيينه، أما المقروء لله – تعالى – ما يزيد فيه أبو موسى من أجل أحد؛ ولذلك ما أنكر عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولو كان هذا مما يُنكر لأنكره، ولو كان قادحا في الإخلاص لأنكره عليه. سقت هذا حتى لا يقول قائل إن ذلك قد يدخل فيه الرياء، فالموقف حدث بحضور أفضل الخلق، ولن أذهب بعيدا عند الحديث عن الأئمة والقراء الذين استمعت لهم شخصيا وأكتب عنهم لأني تذوقت قراءاتهم وغيري من الناس الذين كانت ذات تأثير إيماني عند السماع له.

ومن أشهر هؤلاء القراء الذين استمعت لهم وقراءاتهم لها تأثير الشيخ علي عبد الله جابر الذي أذكر عندما تم تعيينه في مكة في عهد الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله -، حيث ذاع صيته في مكة سريعا خصوصا وأن بعض أهل مكة لا يذهبون باستمرار للحرم المكي، وعندما تولى الإمامة في المسجد الحرام كان بارزا بين المشايخ آنذاك الذين كان لهم أصوات مميزة ولها تأثيرها أيضا أمثال الشيخ عبد الله خياط والشيخ عبد الله الخليفي – رحمهم الله جميعا، وكان يمتاز الشيخ علي جابر – رحمه الله – بالقدرة على قراءة الآية كاملة دون انقطاع، وتلا الشيخ علي جابر من الأصوات الحسنة للحرم المكي تعيين الشيخ عبد الرحمن السديس، الذي لا يزال صوته يصدح في المسجد الحرام أطال الله في عمره على طاعته، وفي المسجد النبوي تم تعيين الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي صاحب الصوت المميز في القراءة والمتمكن في التجويد، كذلك الشيخ إبراهيم الأخضر ومحمد أيوب، لكن لم يستمروا لفترة طويلة في الحرم النبوي، وحاليا يتواجد من أصحاب الأصوات الجميلة والحسنة في الحرمين الشريفين المشايخ سعود الشريم الشيخ البكّاء الذي يبكي أحيانا عند آية لا يشعر بها المصلي خلفه، لكنه يتأثر بها، وهناك ماهر المعيقلي وعبد الله الجهني وصلى في المدينة في إحدى السنوات عبد الودود حنيف وهو صاحب صوت جميل ومميز، والآن يتواجد في المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير كصاحب صوت مميز وصلى كذلك في بعض اﻷعوام الشيخ سعد الغامدي وغيرهم من أصحاب الأصوات الحسنة التي يحبها الناس ويكون لها تأثير على صلاتهم وخشوعهم وسأتناول في المقالات القادمة الأئمة البارزين في مساجد مختلفة من بلادنا الغراء وبعض دول العالم الإسلامي، وأرجو مشاركة الإخوة بآرائهم في هذا.. وفق الله الجميع لكل خير.

سعد جمهور السهيمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى