وما دام مزيد النعم هو الشكر، فإنه شتان ما بين من يستخدم نعم الله تعالى في طاعته وبين من يستخدمها في معصيته؛ فيكون بذلك جاحداً لهذه النعمة كافراً بها، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
من الناس من يستخدم سيارته في إشباع شهواته وإرضاء نفسه اﻷمارة بالسوء، فلا يذهب بها إلا إلى أماكن اللهو والمجون، ولا يحمل فيها إلا العصاة الغافلين عن ذكر الله، ولا يسمع فيها إلا اﻷغاني الهابطة والبرامج الفارغة والغيبة والنميمة وفاحش القول، وتجده يطلق بصره فيما حرم الله، ويتحدث فيما يجلب عليه سخط الله ومقته، مما يدخل في التعاون على الإثم والعدوان.
وهو في غفلته لا يذكر الله إلا قليلاً، ولا يأبه لفضل الظهر، بل يحتقر المشاة على أرجلهم، ويرى أنه خير منهم؛ لذا يعافُّ ركوبهم معه، وكأنهم ليسوا بشراً مثله، فلا يكترث لكبيرهم الذي تصبب عرقاً في انتظار المواصلات العامة أو من يحمله في سيارته الخاصة، ولا يرحم صغيرهم الذي أضناه الوقوف؛ فبكى حين لفحته الشمس، أو جلس مرهقاً، أو اضطرته أمه أن يصحبها على قدميه حين يئست من الحافلة العامة!
وينسى مثل هذا أن الله تعالى يمكن أن يسلبه نعمة السيارة كما سلبها من كثيرين غيره، وأنه إذا وُهِب هذه النعمة فليس هذا دليلاً على محبة الله له كما يظن؛ إذ لو أحبه لوفَّقه لفعل الخيرات، ويجهل أن الخير والشر كلاهما ابتلاء، كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
والغريب أن ذات الرجل الذي يتأفّف من حمل الناس على سيارته، فيجهل أو يتناسى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الظهر، حين قال (من كان معه فضلُ ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له) رواه مسلم، ذات الرجل قد يقف لفتاة متبرجة مريبة، بمجرد إشارتها له بأطراف أصابعها، بل أحياناً دون أن تشير إليه؛ فيضيِّع بذلك الحسنات، ويعود مثقلاً بالسيئات، حين يقع في ما حرم الله! وينسى أن الله سبحانه وتعالى قد يقبض روحه وهو عاكف على المعاصي؛ فيموت على سوء الخاتمة عياذاً بالله تعالى.
وفي المقابل هناك من يسخِّر سيارته في طاعة الله تعالى، فيحمل فيها الكلّ والمعدوم، ويشارك الناس بها في أفراحهم وأتراحهم، مستحضراً ما جاء في فضل الظهر، ومتعبداً لله جل وعلا بمساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، وزيارة المرضى وصلة الأرحام، وغيرها من أعمال البر، ويجعل هذه السيارة منارة للدعوة إلى الله تعالى حين يذكِّر الركاب معه بتقوى الله عز وجل، وإخلاص العبادة له، وحين يُسمِعهم عبر مذياع السيارة أو مسجلها محاضرة نافعة أو برنامجاً قيماً في إذاعة دعوية يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، أو حين يوزع عليهم مطبقات وأشرطة دعوية إن أمكنه ذلك، وهو في ذلك كله يستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ) صحيح الجامع 3795
أخيراً… يا صاحب العربة رقم (….) إنك في مفترق طرق؛ فاختر بين الطريقين: طريق تمضي فيه محاطاً بالبركة والتوفيق والأجر، يفضي إلى جنة الله ورضوانه؛ وطريق تسير فيه محاطاً بمحق البركة والخزي والذنوب، يقودك إلى عذاب الله وسخطه.[/JUSTIFY]