ينمو ذلك الإنسانُ وهو يرى حَوْله أفراداً يأتَمِرُون لسُلْطَةِ رجلٍ وامرأةٍ يتشاركان إدارة ذاكَ المكان المُحيط المتّسع لهم ؛ فيُدرك أن للمكان سلطاناً وللإدارة حكمةً وللتعامل أصول في تسيير شؤون الناس رجالاً ونساءً لا تستقيمُ إلا بهما .
يَشِبّ عن الطّوْقِ خارجَ المكان فيَرى أقراناً وسُلْطَاتٍ مُتعدّدة حوْلهُ وكلٌّ يكتسبُها من مصادرَ تتعلّقُ بمَوْقعِهِ تتحكّمُ بها مَنْزلةُ المكان ومَقامُ الزمان ، حتى إذا خالطَ البشَرَ بكافةِ مُستوياتِهم وقد عرَف الحياةَ مَدْرَسَةً ومُمَارَسةً ؛ أدركَ أنّ الحَلَقة تتّسِع حتى تحْتوِيه ومَنْ مَعه بمَسافات شاسِعَة في دَائرةِ الوَطنِ الكبير .
ذلك الوطنُ حينما يتَحوّلُ من مَكانٍ للسُّكْنى إلى سَكِينةٍ في قلوب سكانه يستوطنُ أفئدتَهم المُمْتلِئة حبّاً وانتماءً لهُ ؛ يُصْبحُ رُوحاً لا تفارِقُهُم في الحياة ، وتُرَاباً يتَدثّرُهم في الوَفاة ، وعِزّاً لا تتنازلُ عنهُ مُرُوءَاتُهم ، وفخْراً تستَمْنِحُهُ مُعَاناتُهم ، وطمُوحاً لا تَحُدّهُ أحلامُهم .
في تلك الحَال لنْ تكونَ وطنيّتُهم شِعَاراتٍ ولا ألوانَ ومُفرقعاتٍ ، لنْ تكونَ أغنياتِ فرَحٍ ونَشْوةً في فوْضى وفسادَ نَخْوَة ، لنْ يشْغَلَ احتفاءَهُ الصّغارُ وينامَ عنهُ الكبَار ؛ بل سيكونُ انطلاقةَ أمَل وبدايةَ عمَل ، وبناءَ مُسْتقبلٍ وصِناعةَ أجْيالٍ ستَعْمُرُه بالخيرِ والنّمَاء في حِمَى الحَق والعَدْل والمُسَاوَاة .
إنّ وَطناً يَحْمِلُ بينَ جنَبَاتهِ سُرّة العَالَم ومَنْزِلَ الوَحْي ومَنبعَ النّور ، ويضمّ تُرَابُه أشرَفَ بُقعَةٍ بهَا أطهَرُ جَسَدٍ على وَجْهِ الأرْض ، يرُدّ السّلامَ ويَسْتغفرُ للأنامِ عليهِ وعلى آلهِ الصلاةُ والسّلام ؛ حقيقٌ بشَعْبهِ رَفْعَ رُؤوسِهِم نحْوَ المَعَالي ونشرِ الخيرِ في كلّ المَعَاني وقيادةِ الإصْلاحِ في هذهِ الأمّة نحوَ الشّرَف والعِزّة .
وطنٌ تلك قامَتُهُ الشّامِخَة ومَقامُهُ الفَخْم في قلوبِ شعْبهِ لنْ يمْحُوهُ الإرْهابُ ولنْ يُذيبُهُ الفسَاد ؛ طالمَا انْحنَى الحَاكِمُ على الرعيّة والتفّ الشعبُ بالرّاعي ليكونوا جَسَداً واحداً يقاومُ مَعاَوِلَ الهدْم وأسَافِينَ الزّعْزَعة في سبيلِ وِحْدَة البلادِ التي قامَتْ عليها صَامِدةً في مواجهة رياحِ التّغيير العَاصِفَة بمَا حَوْلها .
وطنٌ يأخذُ على يَدِ الظالمِ ، وينشرُ العدْلَ والمُساواة بين أفرادِ شعْبهِ ، ولا يُقيمُ للعَصَبيّة والمَنَاطقيّة والمَذْهبيّة مَكاناً بين أخوّة المُوَاطنة الحَقّة ؛ لن يَحتاجَ إلى هيئةٍ لمُكافحةِ الفسَاد تضرِبُ على رُؤوسِ مُدّعِي النّزاهةِ ، ولن تُهْضَمَ فيهِ الحُقُوقُ ولنْ تطولُ إجراءَاتُها مَرْفوعةً إلى المَظالِم ، ولن يبحثَ فيهِ المَهْضُومُ عن حقهِ بينَ طرائقِ التّسَوّلِ والشفاعات ، ولنْ تُوَسّدَ فيهِ المَناصِبُ لغيرِ أهلِها منْ أهلِ القُدْرةِ والمَناقِب .
وطنٌ تاريخُهُ بالمَجْدِ يُرْوى ، ومَعالِمُهُ وآثارُهُ بالعزّ تَتْرى ، ينصُرُ الحَقّ في كل قضيّةٍ ولو كان مُرّا ، يرفعُ شهادةَ التّوحيدِ قوْلاً وفعْلاً ، عاليةً لا تنْزِلُ فرَحاً ولا حُزْنا ، شاهدةً على شريعَةِ الكِتابِ والسنّة ، مُتمسّكةً بما لن تَضِلّ بعدَه أبَداً .
[COLOR=#FF0000]* مِن آخِرِ السّطْر :[/COLOR]صدقَ الحبيبُ عليهِ الصّلاةُ والسّلام في حُبّ الوَطنِ الأم مكّةَ حينَ قالَ :”واللهِ إنكِ لخيْرُ أرْضِ اللهِ وأحبّ أرضِ اللهِ إلى الله” وقوله :”ما أطيبكِ من بَلَدٍ وأحبّكِ إليّ” ، وصدق في دعائه لمُهَاجِرِهِ المدينة المنورة حين قال :”اللهم حبّبْ إلينا المدينةَ كحُبّنا مكةَ أوْ أشَدّ” ؛ فما أغلاهُ من وَطنٍ تنطقُ وطنيّته بحب الحرميْن الشريفيْن وخدْمَتِهِما والدّفاع عن حُرْمَتِهِما .[/JUSTIFY] [email]Shuaib2002@gmail.com[/email]