سلطان الزايدي
إن الحديث عن التاريخ لأي بلدٍ في العالم، وفي أي مجالٍ من مجالات الحياة يحتاج إلى سردٍ دقيقٍ جداً، حتى تُكتب الحقيقة كما هي، بلا زيادةٍ ولا نقصان، ولأننا نؤمن دائماً بضرورة العدل والإنصاف فيما نكتب أو نقول؛ فإن الواقع يفرض علينا تكوين صورةٍ مبدئيةٍ عن كل إنسانٍ يرغب في كتابة التاريخ، ومدى قدرته على فعل ذلك دون أن نخلَّ بميزان الثقة، ونتحلى بمبدأ حسن الظن، ولأن هذا الأمر برمَّته مهمٌّ، وله وقعٌ في نفس كل مَن يهتم بأيِّ مجالٍ من مجالات الحياة، أصبح من الضروري أن يكون اختيار الأشخاص وفق رؤيةٍ معينةٍ.
اليوم اتحاد الكرة يكتب صفحةً جديدةً في تاريخ رياضة كرة القدم في المملكة العربية السعودية، والمتمثل في تشكيل لجنةٍ لتوثيق بطولات الأندية، ولما لهذا الموضوع من حساسيةٍ مفرطةٍ؛ فإن أعضاء اللجنة عليهم حملٌ كبيرٌ جداً، فهم أمام مهمةٍ صعبةٍ جداً، تتمثل في إقناع المجتمع السعودي بحقيقة كل ما سيكتب في هذا الشأن مستقبلاً، ويجب أن يكون أمامهم كل التصورات الإيجابية والسلبية الناتجة عن ردة فعل المجتمع، فبالتأكيد ليس الكل سيكون راضياً؛ لذلك الحرص أولاً في تدوين المعايير التي تساعد اللجنة على توثيق الأمر بشكلٍ منطقيٍّ، وتكون نسبة الرضا عنها مقبولةً بنسبٍ جيدةٍ.
وهذه المعايير تتطلب دراسةً شافيةً، تعتمد على الغوص في تاريخ الرياضة السعودية منذ أن بدأت ممارسة كرة القدم بشكلٍ فعليٍّ، وتحت مظلة جهةٍ رسميةٍ ومنظومة عملٍ معتمدةٍ من الدولة وخاضعةٍ لإشرافها، فالحديث عن أي فعالياتٍ أو منافساتٍ لا تملك هذه الصفة لن يكون منطقياً، وسيكون مثار جدلٍ طويلٍ ليس لها نهايةٌ، واتحاد الكرة إذ يشكل لجنةً بهذا المسمى يرغب من خلالها إنهاء أي جدلٍ في هذا الموضوع.
إن الحياة تجاربٌ، والتجارب ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ، فلكي نتعلم كيف نكون، يجب أن نعرف كيف كنَّا، ومن أين انطلقنا كحقيقة وواقعٍ مشهودٍ يذكره التاريخ بمؤرخيه ومدونيه!!، بمعنى أن التاريخ هو عملية وجودٍ، ولا يمكن لنا هضم أحقية أيّ نادٍ منذ فترة تواجده، ولو فعلنا ذلك نكون قد صادرنا حقه في مكتسباته في تلك الفترة، التي كانت من المفترض أن تخضع لمعايير تحليليةٍ سليمةٍ تحفظ حقه في تواجده وإرثه المتمثل في إنجازاته وبطولاته.
لهذا فإن ثمة حقيقةٌ راسخةٌ تبرز بشكلٍ واضحٍ عند دراسة التاريخ المبني على حقائق مدونةٍ وموثقةٍ في أرشيف المنظومة الرياضية، والتي تشمل تفاصيل الماضي بكل وحداته الزمنية المتلاحقة، تتهاوى من خلالها الفواصل المغرضة، التي تنوي فصل الماضي عن الحاضر أو الحاضر عن المستقبل.
إن لجنة توثيق الحقائق أمامها عملٌ مهمٌّ وحساسٌ، وإخراجه للمجتمع كما ينبغي يتطلب عملاً جباراً ودقيقاً يخلو من المجاملات والمحسوبيات، وتدخّل أصحاب النفوذ في تسيير عمل اللجنة وتوجيهها لاتجاهاتٍ تتعارض مع أهداف اللجنة وسياساتها.
في بلدنا مؤرخون ثقاتٌ، لديهم إرثٌ تاريخيٌّ موثقٌ أو معلوماتٌ من الذاكرة عن أشخاصٍ عاشوا الحدث ونقلوه، ويمكن للجنة أن تستفيد منهم، ليكونوا انطلاقةً لهم للبحث والتقصي عن الحقائق؛ لتساعدهم على تقديم عملٍ جيدٍ ومثمرٍ، علماً أن الأرشيف الرياضي فيه من المعلومات والوثائق ما يجعل عمل اللجنة مستندٌ على وقائع مثبتةٍ.
إن لجميع الأندية السعودية حقها في تاريخها وماضيها، ومن الطبيعي أن يسفر إغفال الماضي عن عدم القدرة على تحقيق الوصال الكامل بين الأبعاد الأساسية (الماضي- الحاضر- المستقبل) للعملية التاريخية، فالماضي جزءٌ مهمٌّ يصبُّ في الحاضر ويدعمه بكل مكوناته الأساسية ليكون دافعه نحو المستقبل.
ودمتم بخير ،،،
@zaidi161[/JUSTIFY]