علي صالح طمبل
في الشارع إذا التفتَّ يمنة ويسرة أو أمامك أو خلفك تشرئب بعنقها إعلاناتٌ تصبغ وجهها بمختلف الأصباغ والمساحيق، وتتجمل لمن ينظر إليها في ابتذال وتكلف؛ ولا تكتفي بملاحقتك في الشارع العام لتلاحقك عبر الإذاعة والتلفزيون والصحف، لتصبح بعبعاً مخيفاً وشبحاً يلاحق سكينتك واستقرارك في كل وقت وفي كل مكان.
تحاول أن تولِّي وجهك عن إعلان ملصق على إحدى اللافتات لتقع عينك على لافتة أخرى، وتغير الموجة أو القناة لتهرب من إعلان إلى إعلان آخر، وتفتح صفحة الجريدة لتقرأ شيئاً مفيداً فتفاجأ بإعلان يغطي الصفحة عن منتج قد حفظته عن ظهر قلب من فرط تكراره.
تدفعك هذه الإعلانات التي تُصرف عليها مليارات الجنيهات لتتساءل في حيرة: لماذا تُصرف هذه المبالغ الضخمة على إعلانات حفظها الناس ولم يعودوا بحاجة لتذكيرهم إياها؟ لماذا تُصرف في بلد يتضور الملايين فيه جوعاً ويعيش أكثر من 90% من سكانه تحت خط الفقر كما تفيد التقارير؛ أما كان من الأولى أن تُصرف هذه المبالغ الطائلة على مشاريع تنموية وخيرية تُداوى بها وطأة الفقر وتُسكت بها مرارة الجوع؟! وتعود بإعلام أقوى على هذه الشركات المعلِنة، مصحوباً بالدعاء والشكر؟!
لست ضد مبدأ الإعلان، ولكنني ضد هذا الإسراف والتبذير الذي تمارسه الشركات والمصانع في ترف لا ضابط له ولا قيد؛ فما معنى ـ مثلاً ـ أن يكون في شارع واحد أكثر من ثلاثين إعلاناً عن نفس الموضوع ونفس المنتج؟! هل المواطن عاجز عن رؤية إعلان أو إعلانين منها حتى يُزحَم بهذا الكم الهائل من الإعلانات؟! ولماذا لا تستعيض هذه الشركات عن هذه الإعلانات بإعلان في بداية الشارع ونهايته ما دامت جميعها تحمل ذات الموضوع؟!
وحتى الأسلوب الذي يستخدم في هذه الإعلانات لا يعدو أن يكون أسوباً رخيصاً ومبتذلاً، يعمد إلى الإغراء والتزيين وتزييف الحقائق، فتسخدم فيه المرأة كسلعة مبتذلة لتغري المستهلك، وتصور لك هذه الإعلانات المنتج على أنه الأفضل في الساحة ولا يُقارن بغيره من المنتجات، و(من غشنا ليس منا) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إننا في هذا الصدد لا نملك سوى أن نخاطب الجهات المسؤولة بالتدخل لحماية المجتمع من عدوى الإعلانات التي أخذت تستشري في كل مكان وتلقي بظلالها على الاستقرار النفسي للناس؛ وذلك بتخصيص قنوات وصحف وشوارع بعينها للإعلانات دون تبذير وإفراط، وتحديد عدد معين لصفحات الإعلانات في الصحف، وتخصيص أوقات محددة للإعلان في التلفاز والإذاعة؛ لتقلص إلى أقل قدر ممكن، مع ضوابط معينة للإعلان بحيث لا يُلجأ فيه للابتزار والإغراء والتزييف. كما نخاطب الشركات والمؤسسات المعلنة بأن تتقي الله في المستهلك، وتنفق أموالها فيما يفيد الناس في دينهم ودنياهم؛ لأن هذا المال سييسألون عنه يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.[/JUSTIFY]