المقالات

متعة الإلهام في “الإيسام”

متعة الإلهام في “الإيسام”
أ. حسن محمد شعيب

[CENTER][IMG]https://pbs.twimg.com/media/B34mxY-CcAAsEY6.jpg[/IMG] [/CENTER] [JUSTIFY]من الكتب الذكيّة شكلاً ومضموناً ، طباعةً ونشراً ؛ تلك الكتب التي تُقرأ في جلسة واحدة من جمال إخراجها وخفّة ظلها المعلوماتي على روح القارئ ، وروعة التنقلات بين صفحاتها الملوّنة بحرفيّة فيما تحملُه من صُور وأشكال وفوائد كَبْسُوليّة تقدحُ في العقل زِنَادَ الفِكر ، وتُشعلُ شرَارةً للتأمل لا تنطفئ ، وتبعثُ في القلب شغفاً لنهل المزيد .

تابعتُ – عبر مواقع التواصل الاجتماعي – قبل أشهر إرهاصات كتابٍ يحملُ عنوان “الإيسام” عن صناعة العلامات التجارية تاريخاً وفكراً ، وقد أثار العنوانُ فُضولي ؛ فانتظرتُ ميلاد نشره وقد بشّرَ بهِ مؤلفهُ “زياد طارق أورقنجي” أيّما تبشير ، وحمّلهُ من المفاجآت الإثرائية في بابه وموضوعه بكل مُشوّقٍ ومُثير .

وحينما وقع الكتابُ بين يديّ بسعره العالي ؛ تردّدتُ في شرائه رغم جمال فكرته وجاذبية طباعته ؛ إلا أني عزمتُ عليهِ وسألتُ اللهَ العوَضَ فيه ، وما هي إلا دقائق من استفتاح قراءتِه أعقبتْ سُوَيْعات لخاتمته لم تخلُ من متعةٍ لم يخالطها مللٌ أبداً ؛ حيث استطاعَ المُؤلف أورقنجي بحرفيّةٍ عالية عبر تدرّجِ الأفكار وتنويعِ الفَوَاصِلِ المُكتنِزة بالمَقُولاتِ المُثْريَة ؛ الإجهازَ على أي مَدْخَل للسّأمِ بأسلوبٍ يبعَثُ النشاط في عَيْنيْ وروحِ القارئ وهو يَعدُو من صفحةٍ إلى أخرى تحدُوه نشوةُ مواصلةِ حَبْل الفكرة الذي التفّ عقلَهُ منذُ أوّلِ صفحةٍ بالغلاف مع غرَابةِ العنوان .

انطلق الكتابُ من اللغة بَحْثاً عن المُقابل الأقرب للمُصطلح التجاري Brand بمعنى الوَسْم أو العلامة حينما يكون في مرْحلة البناء والصناعة الأولى : Branding ليضع أورقنجي تعريبَه لهذه العملية – وهو المتخصص في الفنون الجميلة والتصميم – بكلمة “الإيسام”.

وكان مرورُ الكتابِ على التاريخ سريعاً في لقطات خاطفة مزيّنة بالصور المعبّرة تأريخاً للوَسْم واستخداماته المتعدّدة حتى وصَلَ إلى أول وَسْم أو شعار تجاري في التاريخ كان إنجليزياً “لشركة الهند الشرقية” عام 1600م واستمرّت هذه الشركة حتى الآن ومقرها الرئيس بلندن مع تطوّر في شكل العلامة ، لذلك فإنّ أول علامة تجارية مسجلة في العالم لم تخرج من بريطانيا وكانت لمُنتج شراب الشعير Bass عام 1876م .

ثم استعرض أورقنجي أنواع العلامات التجارية المسجلة مع سَرْدٍ بالصور لأهمّها وتطوّرها التاريخي ابتداءً وانتهاءً ، وانتقلَ بعدَها للحديث عن صناعةِ الإيسام كفِكْر وتخصّص له وَكالاتُه المُتخصّصة التي انطلقتْ من ألمانيا على يَدِ “والتر لاندور” عام 1913م ، ويستعرضُ المُؤلفُ هنا الخلْطَ المَفاهيمي للإيسام حينَما انتقلَ إلى السّوق العربيّة بين الدعاية والتسويق والتصميم ؛ مُفرّقاً بين الوَسْم والإيسام في عالم الأفكار .

وتبدأ المُتعة في الكتاب حينما تقرأ قِصَصَ النّجاح التي سرَدها أورقنجي بأسلوب مُوجَز تنْطِقُ فيه الصورةُ شاهِدةً ويحكي الحَرْفُ ناطِقاً بسَلاسةٍ وبَيَان جامِعاً بين النجاحات الغربيّة في شركات مثل : كوكاكولا ، ستاربكس ، إيكيا ، أبل ، أديداس ، تومز .. وبين النجاحات العربية للشركات : المراعي ، شاي ربيع ، أرامكس ، لومار .. كانت تلك القصص فواصل متتابعة بين معلومات الكتاب المُركّزة حول صناعة الوسم .

وبين قصص النجاح كان أورقنجي يبُثّ معلوماتِهِ الدّسِمَة برَشاقة حول الإيسام تعريفاً ، وأهميةً ، وتفريقاً بين المتشابهات ، ومراحل عملية التواصل مع الوسم الأربعة المهمة ممثلةً في : الوَعْد ، التجربة ، الانطباع ، الصورة الذهنية ، ثم مراحل بناء الوسم الأربعة القائمة على : الاستراتيجية ، اختيار الاسم والتصميم ، الإخراج والتنفيذ ، التسويق والمتابعة .. خاتماً الكتاب بلقاءٍ مُهم أجراه المؤلف بنفسه مع مُصَمّم شعار شركة “أبل” بشيكاغو “روب جانوف”.
لقد حملَ الكتابُ رِسَالة مُؤلفِهِ الداعية إلى نشْرِ ثقافة الوَعْي في العالم العربي نحو صِناعة العلامات التجارية ، وكان بحق أوّلَ كتابٍ ومَرْجِعٍ عربي يُجسّد ذلك العلم ويشرحُ تاريخه ومفهومه .

* مِن آخِرِ السّطْر :
جميل جداً أن يُخرج كلُّ صاحبِ عِلْمٍ أو فنٍ أو صناعةٍ زكاةَ ما حمَل نحو الآخرين ، ينشر بينهم معرفتَه ويقدّمها بأفضل صورةٍ تبليغاً ينفع وعملاً يدفع وذوقاً يرفع .
[/JUSTIFY] [email]Shuaib2002@gmail.com[/email]

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى