لقد أدرك الراحل الكبير عبد الله بن عبد العزيز أن الثقافة الحقة إنما تنطلق أساسا من بناء معرفي متكامل ومتين، لذلك وضع استراتيجية معرفية جرى التخطيط لها وفق رؤية كونية عربية سعودية، ثم جرى تنفيذها خطوة فخطوة على أن تتكامل على مدى عقد من الزمان لتسفر عن بنية معرفية متكاملة تهيئ المناخ الأمثل لواقع ثقافي يستمد جذوره من التراث العظيم للملكة العربية السعودية بحكم كونها مهدا لثقافتين عربية وإسلامية، تماشجتا أولا ثم التقتا عبر التاريخ بتراث انساني عريق تناقلته حضارات الانسان من عصر لعصر ومن بيئة لبيئة.
وفي سبيل ذلك الهدف المعرفي كان انشاء الجامعات التي توزعت على خريطة المملكة مثل جواهر متلألئة، فاسحة المجال لكل التخصصات لتتفاعل على مدرجاتها ناقلة هذا المستوى المتقدم من المعرفة إلى كل أجزاء الوطن، ثم رافق ذلك خطان متوازيان من الاعداد البشري الذي تطلبه تلك الجامعات، طلاب مؤهلون للتحصيل المعرفي المتقدم يدفع بهم التعليم العام نحو تلك البوتقة العظيمة فتطلب ذلك قيام مشروع وطني لتطوير التعليم شمل تحديث المناهج كما شمل تطوير أساليب التعليم عبر مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، وأساتذة من أبناء الوطن تتاح لهم فرصة التعلم من أرقى مصادر التعلم المتعارف عليها عالميا فتطلب ذلك قيام حركة ابتعاث واسعة الطيف عبر برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث ليعودوا رجالا ونساء إلى أرض الوطن وقد تزودا بالعلم والمعرفة من مصادرها فتحيا بهم تلك الجامعات.
وكان مما يوازي ذلك كله قيام مشاريع كبرى يتماهى فيها الاقتصاد بالمعرفة عبر المدن المعرفية التي يجري انشاؤها في مواقع مختلفة من أرض الوطن، ومع تلك الخطوات كان إيلاء عناية كبرى بالمنتج الثقافي القائم، أولا عبر المؤسسات الثقافية مثل الأندية الثقافية وجمعيات الثقافة والفنون والمراكز الثقافية الكبرى في الداخل والخارج، وما يرافق ذلك كله من مبادرات ثقافية كبرى كمعرض الرياض الدولي للكتاب وجائزة الكتاب السعودي ومنظومة الجوائز الأخرى كجائزة الملك عبدالله للترجمة وجائزة الملك فيصل وجائزة الملك خالد وجائزة أبها إضافة الى اطلاق حركة التأليف والنشر ليثري الكتاب ثقافة الوطن ولتحتل النماذج المشرقة منه منصات التتويج في داخل المملكة وخارجها، وثانيا عبر وسائل الاعلام كالإذاعة والتلفزيون والصحافة حيث تعددت قنواتهما لتمتد مع الانسان في شتى مراحل العمر وفي مختلف مستويات اهتماماته المعرفية، وقد تسيد ذلك قناتان تلفزيونيتان من مكة المكرمة ومن المدينة المنور لتعكس الجانب الروحي العظيم الذي تنهل منه الثقافة السعودية أولا وأخيرا، وما هذا سوى عجالة من الذاكرة لاسترجاع بعضا من صور المنجز الثقافي الذي تفاعل خلال عهد الراحل الكبير عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله وإلا فإن المنجز أكبر مما يقال لا يستوعبه إلا دراسة جادة وبحث محقق.
محمد ربيع الغامدي
[CENTER][IMG]https://pbs.twimg.com/media/B8DKd14CYAAYrXz.jpg[/IMG][/CENTER]