المقالات

الديموارستقراطية أم الرعاع

[JUSTIFY]الديموارستقراطية أم الرعاع
د. محمد خيري آل مرشد

البحث عن الحكمة والرشد يوازيه البحث عن مصادر الحكمة والتعقل الفكري والبصيرة الواعية ، والتي عادة ما يتحلى بها صفوة المجتمع من علماء وأدباء ومفكرين وأصحاب الاختصاص والباحثين.. وإن كانت هذه الشريحة هي الأقل عددا بين أفراد المجتمع أينما حللت ، إلا أنها هي الأكثر وعيا وإدراكا من غيرها لمصالح الناس واحتياجاتهم وما ينفعهم بالتوازي مع استمرار بناء المجتمع بشكل متزن و متماسك يكون له إسهامات متميزة في البناء والتقدم والتطور ، فهي تعرف السبل السليمة الموصلة إلى ذلك إن نالت الفرصة والمساحة الكافية للمشاركة الإيجابية في فضاء المجتمع الواسع ، كما أن نصحها ناضج وحلولها علمية عملية مناسبة تفيد صاحب القرار المفوض ، وهكذا تساهم في صنع الثقافة المجتمعية ، وبذلك تساعد و تشارك في صنع الحضارة الانسانية الجميلة..

لا يمنع ذلك أبدا من إشراك أكبر عدد ممكن من جمهور المجتمع وخاصة المتعلمين منه في شورى الحل العام لقضية ما ، فمبدأ الإشراك العام في مواطنه مفيد للغاية ، فقد تجد رأيا سليما عند عامة الناس ، فلا باس من الاستشارة والاستنارة ، إلا أن نخل ذلك و تصفيته و إقراره لابد أن يعود الى رأي المتخصصين ، والقاعدة العامة تقول لا تنتظر كثيراً من الدٌهماء و الغوغاء والرعاع ، إلا انه لا باس من إتباع طريق إشراك العقلاء منهم أو حتى أحيانا عامتهم ، وذلك حسب المسألة المعروضة بتقنيات معينة تكفل نجاعة وصول الصوت المفيد إلى محله وهي معروفة ، كما يجب أيضاً التفريق بين هؤلاء من عامة الناس والذين قد لا يمتلكون علما أو فقها ؛ ولكن لديهم أخلاقا يتحلون بها و قد تجد عندهم رأيا صوابا يمنحونه دونما مصلحة أو تملق فهم حريصون على المصلحة العامة على خلاف الرعاع ..

هذا الصنف الغوغائي من الناس الذي يميل مع هواه عادة قليلي الوعي ، لا يستطيعون الخروج من غفلتهم لغرقهم في جهلهم إلى آذانهم ، كما أن التملق والنفاق من أبرز صفاتهم ينقادون بسهولة وراء أي زيف ، أمنياتهم فائدة دنيوية رخيصة ترتجى والأخلاق كما المبادئ غريبة عليهم و لا تعنيهم بأي شكل ، فالرعاع من حثالة و سقاطة المجتمع لا يهتمون بالقيم والأخلاق ولا يؤذيهم مسخها ، فهم لا يحسون بالفرق بين ما هو جميل و قبيح ، بل بالعكس يميلون دائماً لما هو فوضوي وغير مسئول ، فكل ما يجذبهم هو شهرة أو منفعة مادية وهوى نفوسهم.. لذا تجد الرعاع من اللصوص والمرتزقة والجهلاء هم وقود المستبدين لتحطيم أي بناء اجتماعي جميل ، لتبقى صورة الاستبداد وحدها لامعة في الساحة لا ينافسها أحد ويحول بذلك الناس إلى أدوات قصيرة النفع لا تهتم إلا بلقمة عيشها ، أما المستبد فهو خصم لكل وعي وفكر ، سلاحه المنفذ هم الرعاع قالها غوبلر الهتلري الهوى ” عندما اسمع كلمة ثقافة أضع يدي على مسدسي ” ، فالرعاع والمستبد عدوهم الأول النور الثقافي ، لأنهم يتكاثرون وينفذون في الظلام كالخفافيش..

أننا نلاحظ اصطفاف الرعاع وبشكل لا إرادي أينما وجدت الجماعة تصطف لغرضها هي فقط ،هكذا هم مجموعات سادية الملامح عديمة الشكل فارغة المضمون متملقين لحكيمهم الذي يشبههم عادة إلا أنه يملك القوة والجبروت ، حيث لباسهم الرياء وأخلاقهم النفاق هم نتاج فكري معوق ومشوه إنسانيا وحضاريا وتاريخيا ، لا تستقيم حياتهم وأي فكر حقيقي تنويري منضبط بضوابط الأخلاق والدين والحضارة ، كما انك لا تستطيع ان تثق بهؤلاء لبعدهم عن المبادئ الأخلاقية فهم مستعدون دائماً للتخلي عنك في اول فرصة أو عرض أفضل..

فهل نقبل بأن يصبح هؤلاء الرعاع أوصياء علينا ؟! إنهم يقبحون أي مكان يصلون إليه ، ويشوهون صورة المجتمع ويبثون فيه فسادهم وجهلهم ان أعطوا الفرصة و تمكنوا ، عكس كل ما هو شريف الذي يتجمل بحضوره أي شي ، علينا إلا نقبل بوجود الرعاع فوق هاماتنا ورؤوسنا ، بل العمل على وضعهم في مكانهم المناسب ، وان أمكن تنوير أي جزء منهم عن طريق التربية والتعليم والإعلام فلا باس ، وإلا فهؤلاء يفسدون كل ما يختلطون به من جمال ، والمتعلمون منهم يظنون انهم يحسنون صنعا بالنعيق والصراخ المزعج لشرائح المجتمع الذي يهددون به تماسكه بأفكارهم السامة والموتورة ، فالرعاع لا يمكن أن يقدموا حلولا لبناء وتقدم الأمم لأنهم عناصر هادمة أولا بطبيعتهم ، ناهيك عن أفكارهم العشوائية المرتبكة والغير متناسقة وهي غير ذات مضمون أو فائدة أصلا ، لكي يقوموا في تغيير بنيوي مجتمعي ذو قيمة ، يرتقى لطموحات أفراد المجتمع وخاصة الشباب منه لأنه ببساطة سمتهم الأكثر تأثيرا الجهل والسطحية ، فلا يحسنون الغوص في أعماق حاجات المجتمع ، فهذا أصلا غير همهم ، همهم الأول المنفعة الأنانية الآنية..

لندرك أنه أينما وجدت قوة الرعاع والتخلف والجهل ، فإن الحضارة والثقافة بل كل ماهو إنساني في خطر عظيم ؛ لما يشكله هؤلاء من تهديد مباشر يدمر كل ما هو جميل يصادف طريق بغالهم ، هذه القوة الجاهلة والتي تمثل الأدوات الرخيصة والجاهزة لفرض الهيمنة العشوائية والفكرية الظلامية المنحرفة للمستبد ، والذي لا يكون بعيدا عنهم في أخلاقه الرعاعية الذي يستبيح كل شيء ليبقى هو وحده في الساحة..

أيضاً يجب الابتعاد عن مبدأ الديمقراطية التي نعرفها اليوم ، والتي تعطي الغوغائيين والرعاع صوتا مساويا لصوت العقلاء والعلماء وهذا لا يصح ، وهذه بعض أوجهها السلبية المتعددة (طبعا لا نغفل بعض جوانبها الإيجابية التي يمكن الاستفادة منها) ، والتي ينادي بها الكثيرون فهي برأيي تكرس البيروقراطية المقيدة و سلطة الديماغوغيون المتملقين لأصوات العامة فهم يدعون مالا يفعلون أو يستطيعون .. همهم فقط الوصول للتمثيل وكسب منافعه ، وهكذا يصبح قرارهم قرار الغوغائيين فيتفشى العهر السياسي الذي يهتم فقط بالمناصب ، مستخدما كل الفساد الأخلاقي لذلك أو أنها بعقليتها الناقصة والشاذة إن امتلكت القوة ستكون وبالا على من يقف بوجه مطامحها ومطامعها دون الاستطاعة لصدها إلا بعد خراب كبير، وفي أبسط الحالات فالمتضرر دائماً منهم هم الضعفاء..

كما أنه من الحكمة والعقل عدم الإبقاء على أحد مهما بلغ من الحكمة والرشد في دور التأثير المزمن ؛ لكي لا يتحول ذلك إلى تعفن فكري غير صالح لأنه عادة ما يحاول تثبيت تزاوج المصلحة الخاصة بالفساد ، لكن هذا لإ يمنع من إبعادهم عن مراكز التأثير والاستفادة من خبراتهم باحترام وجهات نظرهم عن بعد ، فاعتقد جازما ان رأي الفرد الرشيد المفوض له من قبل نخبة أرستقراطية ، تتحلى بالعلم والمعرفة والوعي وبطانة مستشارين مختصين هو الأفضل والأجمل ؛ لكي ينعم الناس بالأمن والأمان والاستقرار وما يرافق ذلك من رخاء وبناء وتقدم يبعد المجتمع عن الديمقراطية المعروفة و رأي الرعاع على حد سواء وما يمكن أن تفضي إليه من فوضى وعدم استقرار ، هذه هي الديموارستقراطية ..[/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى