القيم المشتركة ..صناعة السلوك!
د. محمد خيري آل مرشد
وحيث إن القيم المشتركة لمجتمع ما، والتي تساهم في توجه سلوك الأفراد فيه يختلف تقييمها إيجابًا أو سلبًا من مجتمع لآخر؛ بل حتى من طبقة مجتمعية إلى أخرى بالتناغم والثقافة المجتمعية لهم، وهو ما يحدد السلوك المجتمعي العام أو الخاص لمجموعة، منها العادات والتقاليد والأعراف التي اكتسبت أو توارثتها الأجيال والتمسك بها يُعادل أو يفوق أحيانًا قوة القانون في مجتمعاتنا، والتي لها أثارًا سلبية في سلوكيات البعض .. فمثلا استشراء السلوك الاستهلاكي القاصر في مجتمعاتنا أي دون إنتاج، عادة ما ينظر إليه بإيجابية والتفاخر يعلوه إما في مجتمعات أخرى قد ينظر إليه بدونية كبيرة, فالكل هناك يجب أن يعمل أي عمل وينتج، وكما أن أكل نوع ما من اللحوم قد يكون مقبولًا في مجتمع ما ومرفوضًا تمامًا في مجتمع آخر.
وما يهم حديثنا اليوم هو وباختصار شديد الجانب السلوكي الأخلاقي الاجتماعي الذي نراه، هو أصل صنع الإنسان المفيد والذي يكون عماد بناء الأوطان وتقدمها؛ حيث إننا في تعاملنا مع صفحات التواصل الاجتماعي مثلًا، نمثل مجتمعات مثالية راقية جدًا إلى حد الملائكية في جانب وفي أدنى درجات الانحطاط في جانب آخر عند الاختلاف، فالكل يعلم بأن أغلبنا يستعمل أسماء مزورة لسبب أو لآخر وأن هذا الإنتاج “الفكري العظيم” من كمية كبيرة من الرعاع، ما هو إلا سرقة أفكار الآخرين، وأن هذه الأخلاق “النبيلة” المصطنعة ما هي إلا مصيدة ومكيدة لطرف ما؛ حيث إن الواقع هم ذئاب مفترسة – طبعًا لا نعمم هنا في حديثنا؛ بل المقصودين هم أولئك الذين لا تسلم من شرهم في زاوية ما في الحياة العملية – من داخل بيوتهم إلى رعونتهم في الشوارع التي يحدث فيها العجب العجاب من ألفاظ متدنية إلى تصرفات رعناء، ومن ثم حوادث مريعة وانتقل إلى أماكن عملهم غير المنتج وغير الأخلاقي، – هذا إن كانوا مشغولين بشيء ذو فائدة أصلًا -, فلو دخلت لدائرة لتخلص بعض معاملاتك تجد نفسك في محنة حقيقية إن كنت من أصحاب المبادئ .. حيث إننا لا نحترم موعدًا ولا نتقن عملًا، متملقين في علاقاتنا وغير صادقين مع أنفسنا وغير بارين بأهلينا, والواقع يعكس ذلك بصورة كبيرة .. فما عليك إلا أن تراجع مؤسسة ما لترى تصرفاتنا، وما عليك إلا أن تركب الطريق لترى الخطر والطيش بأم عينيك, اسأل زوجة أحدنا لتعرف أخلاقه وهنا لا نعني أن كل الشهادات صادقة أيضًا وذلك لنفس السبب.. لم يعد التكافل الاجتماعي همنا إنما اللهم نفسي، كما لا يمكن القفز دون التعريج ولو بجملة على أن هناك سلوكيات فردية قد تبدو جد طبيعية وغير ضارة؛ ولكن الإدمان فيها هو غاية في الخطورة على الفرد والمجتمع بحد سواء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الجلوس لساعات وراء مختلف الشاشات، وتناسي أو نسيان الواجبات الاجتماعية الفعلية وبدل الاستثمار الحقيقي المفيد فيها نهدر الزمن الذي هو حياتنا؛ ليضيع وراء الشاشات وما لذلك من مخاطر جمة على الفرد نفسه والأسرة وبذلك المجتمع، وسنتناول بعضها بتفصيل أكثر لاحقًا – إن شاء الله .-
إننا في بعض جوانب حياتنا في أزمة أخلاقية عارمة, نحتاج إلى الوقوف فوقها وتأملها جيدًا لإيجاد ما يناسبها من دروس تختلف عما نتلقاه الآن من حيث الشكل لا المضمون، فالبحث عن أسلوب مختلف ضرورة من الضروريات؛ لأن كمية محاضرات المواعظ بمختلفها وتنوعها التي نتلقاها وعلى مدار العمر لم تعد تفي بالحاجة كيفًا, فلو تلقاها السويديون مثلا لأصبحوا ملائكة حقًا, فأين العطب ؟! وأين الخلل ؟! ومن هو المؤهل للإصلاح ؟!
إن مجموعة القيم لمجتمع ما متغيرة جزئيًا أو كليًا وإن بدت غير ذلك، فمجموع القيم لنفس المجتمع قبل مئات السنين هي ليست ذاتها اليوم؛ حيث تصعد قيم وتزول أخرى .. ففي الحقيقة القيم في تطور وتغير مستمرين حتى وإن كان بطيئًا، وهو ما يتماشى وإيمان المجتمع بهذه القيم وتأثير التطورات الجديدة عليه، وهو ما يؤثر مباشرة بسلوكيات المجتمع أفرادًا وجماعات .. حيث إننا نعاني من تدهور قيمي وسلوكي مجتمعي خطير، لابد من إعطاء الكلمة لأصحاب الرأي من مفكرين اجتماعيين وعلماء دين وفلاسفة ومختصين، يصلحون هذا الخراب في الذوق العام من قول أو فعل بنشر التوعية بأسلوب آخر غير السائد اليوم؛ كي يرفعوا من بعض القيم القديمة أو المستجدة، كذلك لوضع إطار قيمي إيجابي متغير يغربل كل متغير؛ لكي يحتوي تغيرات قيم العصر الإيجابية التي تناسب العصر؛ لكي تضيء الطريق وترشد الفكر وتضبط سلوك المجتمع .. التعريج هنا على هكذا موضوع ليس جلدًا للذات، وإنما لفتة أخرى للبحث عن طرق ووسائل جديدة تبث روح القيم الطيبة في المجتمع، التي نرى إحداها تبني سياسة بث برامج تفاعلية وأفلام ومسلسلات اجتماعية تنشر الإيجابية؛ لتزرعها في الأطفال وجيل الشباب ونمتنع أو نمنع عن بث كل ما هو عنفي وغير أخلاقي؛ لأن الشباب عادة ما يقلدون ما يرون.[/JUSTIFY]