خرجت من صلاة ظهر الجمعة الفائتة أتتبع الفيء لشدة هجير الرياض، وكنت أستعيذ بالله من حرّ نار جهنّم، وما إن دخلت منزلي وفتحت جوالي حتى صدمني خبر تفجير مسجد قرية (القديح) بالقطيف، لم أستوعب الخبر في بداية الأمر، اعتدلت في جلستي، أمعنت النظر في شاشة الجهاز، هل صحيح ذلك الذي أسمعه ؟!.
بدأت أتصفح تويتر، وحسابي في الواتس أب، فتحت جهاز التليفزيون للمزيد من التفاصيل، من يا ترى فعل ذلك بالمصلين، وما الذي كان يرجوه فاعله ؟ من المستفيد من عمل كهذا ؟! أسئلة تتدافع في ذهني وتتزاحم تبحث عن جواب مقنع، لكن تلك الأسئلة جميعها كانت تصطدم بجدار الحيرة، إذ لا مبرر ديني ولا أخلاقي ولا إنساني للقيام بذلك الجرم الشنيع، ثم ما هو الانتصار الذي سيتحقق من خلال قتل المصلين الركع السجود؟ .
وفي خضم أمواج حيرتي تذكرت مقطعًا متلفزًا لياسر الحبيب، وهو من المعممين المتطرفين ضد أهل السنة، يذكر فيه كيف كانت إيران تجند من يقوم بتفجير المساجد والحسينيات في العراق، حتى اشتعلت نار الطائفية بين أهل ذلك البلد، فسفكوا الدم الحرام، ونسوا ما كانوا عليه من الوئام، فطحنهم التقاتل على مدى سنوات، ولا تزال الرحى تطحن ضحاياها، وإيران تمسك بقطب رحاها، تديرها كلما حاول المخلصون إيقافها، وتذكرت أيضًا ما كان يكشفه أحد أفراد الحرس الثوري الإيراني في اتصال مع قناة (المستقلة) الذي أقسم أكثر من مرة وهو يتحدث نادمًا أن القادة في الحرس الثوري، وفي قوات بدر، يرون أن العرب شيعة كانوا أو سنة هم أعداء لإيران، وأن ما يتم الاستيلاء عليه منهم هو غنيمة؛ لأن العرب استولوا على ملك فارس منذ العصور الأولى للفتح الإسلامي، وذكر ذلك المتصل اسماء من عمل معهم بالحرس الثوري، وأكد أن إيران نجحت في جعل العرب يقتلون بعضهم بعضًا باسم الطائفية، والعرب عن هذا غافلون، وهو ما جعله يترك الحرس الثوري نادمًا على ثلاث عشرة سنة كان يخدم فيها مخدوعًا بالأهداف المعلنة. وسواء كان القاتل من القاعدة، أو من داعش، أو من الشيعة العرب، فإن الحزام الناسف الذي تمنطق به المنتحر بمسجد (القديح) قد وضعته أيادي إيرانية، لتكرر تجربتها التي نجحت بالعراق، وتنتظر نتائجها في سوريا، ولبنان واليمن، والبحرين، حتى لو اعترفت داعش أنها وراء العملية، فلا خبرة لهذا التنظيم بالسياسة ومكرها. ولا شك أن إيران وهي ترى مشروعها يتهاوى في كل من سوريا واليمن، كما هوى في البحرين من قبل، سوف تقوم بما يصرف الأنظار عن هزائمها وهزائم حلفائها؛ حيث بدأ نظام بشار يفرّ مهزومًا في القلمون وجسر الشغور، وحلب، وحمص، وتدمر، وأنحاء كثيرة من سوريا، وأصبحت جثث مقاتلي حزب الله تنتشر في سفوح جبال القلمون وبطون أوديتها، كما بدأت المقاومة اليمنية والقبائل تسحق الحوثيين في كل معترك، فحررت الضال ، وحضرموت، وأحياء كثيرة في تعز، وعدن وغيرها، بل وتستعد المقاومة مع القبائل أن تدخل صعدة معقل الحوثيين وعمران، ودماج وما حولها. ورغم الألم الذي أصابنا في شهدائنا بمسجد (القديح) إلا أن إيران لم تأخذ دروسًا من أحداث ماضية أثبت فيها المجتمع السعودي أنه نسيج متماسك لا يمكن تمزيقه، أو تفتيته، رغم وجود بعض العملاء والخونة، إلا أنهم أضعف وأهون من أن يحدثوا فتنة بين أبناء الوطن الواحد، ولا أدلّ على ذلك من موجة الاستنكار والرفض التي عمّت أرجاء الوطن، تندد بهذا العمل الجبان، وتتألم للذي حصل، وهرع الناس في كل المدن للتبرع بالدم لإنقاذ الجرحى؛ لأن مصابنا واحد، ولأننا نعرف الذي يُراد بنا .