على مشارف رمضان
كتبه: علي صالح طمبل
هناك فئة من الناس ما إن يذكر لها رمضان حتى يخطر ببالها ما فيه من جوع وعطش ونصب، وما فيه من أصناف الطعام التي يسيل لها اللعاب من لذتها ودسامتها، وما فيه من ليالي السمر واللعب والفوازير والمسلسلات والأغاني التي تتنافس فيها القنوات الفضائية وتتبارى من أجل إلهاء الناس بها؛ حتى يخرجوا من رمضان بخفي حنين، لم يحققوا التقوى المنشودة، ولم يفوزوا بالعتق من النيران، ولم يخرجوا بذنب مغفور، ولم يكن لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش، وهؤلاء يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والحمى) رواه ابن ماجه.
فترى هذه الفئة ما إن يتبقى لرمضان يوم أو يومان حتى تمتليء بها المطاعم والمقاهي، ومنهم من يكثر من المعاصي فيما يسمى بـ(خم الرماد)! ومنهم من يعتني بإعداد وسائل الراحة، من مكيفات ومراوح وفرش وثيرة، ويستهدف المساجد المهيأة؛ حتى يهدر وقت رمضان الثمين في الراحة والنوم!
وأما الفئة الثانية فهي التي تستبشر خيرًا بمقدم رمضان، وتذكر أول ما تذكر ما فيه من قيام وقراءة قرآن ودعاء ومناجاة لله تعالى باﻷسحار! فتتهيأ نفسيًا لاستقبال هذا الشهر الكريم بما هو أهله. ومنهم من ينشط في تقديم أو حضور المحاضرات والدروس التي تهيئ الناس لرمضان. ومنهم من ينشط في جمع التبرعات لإعداد كيس الصائم الذي يوزع على الفقراء والمساكين من أهل الحي.
إنها فئة اهتمت باﻹعداد الروحي والشحن اﻹيماني، وأكثرت من الدعاء أن يبلغها الله جل وعلا رمضان القابل ويتقبل منها رمضان الماضي؛ حتى تكاد تكون كل أيامها رمضان.
فلنختر إذن بين الفئتين: فئة نظرت إلى رمضان باعتباره مضمارًا للتسابق في الخير، وسانحة لا تعوض، وأيامًا معدودات قلائل، تفتح فيها أبواب الجنان على مصراعيها، وتغلق أبواب النيران، ويقيد مردة الشياطين؛ فأقبلت عليه لتظفر بما معه من الهدايا القيمة والجوائز الثمينة؛ لتفوز بتكفير السيئات، ورفع الدرجات، والعتق من النيران.
وفئة نظرت إليه باعتباره ضيفًا ثقيلًا، فاستثقلت وجوده، وتغافلت عنه بالانسياق خلف ملذات النفس وشهواتها، فغادرها دون أن تظفر بما معه من العطايا والمنح؛ لتخسر السباق والرهان! ويا له من خسران مبين، وفي الحديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتقى المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، فقيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ فقال: قال لي جبريل: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك. فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة. فقلت: آمين) قال الألباني في صحيح الترغيب: حسن صحيح.
إذن لا تتردد يا أخي ويا أختاه، ولنختر بين الفئتين؛ فلعل رمضان هذا العام يكون آخر رمضان في حياتنا، ودوننا من كانوا معنا في رمضان الماضي، فوسدوا تحت التراب! والعاقل من اتعظ بغيره.[/JUSTIFY]