ما أن يهل الأول من أيار في كل عام ، إلا وتدب معه سيول عارمة من الخطابات والأحاديث بكل الوسائل عن دقائق وتفاصيل حقوق ومطالب الأيدي العاملة في كل أرجاء العالم . إن ذلك لا يضيرني أو يزعجني أبداً ، فهو على العكس، يثلج صدري وصدور كل عمال الأرض ، ولكن هذا الحديث تعاظم لدرجة أن الكثيرالكثير من خائضي هذا الموضوع نسوا أن يضعوا الواجبات تحت عدساتهم ، ليتكلموا عن واقع صنيع هذه الأيدي الكثيرة، ويكشفوا النقاب عما يدور في باطن كل المجالات : الزراعة ، الصناعة، التعليم،المقاولات،والخدمات ،… الخ ، وفي القطاعين العام والخاص .
وأيضا ، ما أن يأتي الأول من أيار في كل عام إلا وتجسدت فيه عدة مظاهر ، لتتشكل من خلالها – وفي العالم ككل- ثلاثة فئات من الناس : فئة لايعني لها هذا اليوم أكثر من ( عطلة رسمية ) ، وهي فئة الغالبية العظمى من البشر ، وفئة ممثلي الأيدي العاملة من خلال مسميات ومنظمات لاتعد ولا تحصى بحيث يتفننون في تسويق أنفسهم باستمرار من خلال الضرب على الوتر الحساس ( مطالب وحقوق هذه الأيدي!! ) لجلب المزيد من الأسهم يوم الحصاد ( يوم الانتخاب ) ، أما الفئة الثالثة فهي فئة الديباجات والمراسم ( احتفالات، تغطية إعلامية في جميع وسائل الإعلام ، وكتابة ، وحكي ومواويل ،….الخ ) .
وبعد ذلك ،ألم يئن الأوان لظهور حقيقي وواضح لفئة فاعلة تهز قلوب العمال صغارهم
وكبارهم طوال العام لا في يوم عيد ؟ وتحثهم على معاني النزاهة؟ ،وتبين الواجبات ،وآثار الاختراقات بأنواعها على مشروعية وبركة ونظافة ما يقبضونه من نقود لقاء عملهم ؟ وآثار تلك الاختراقات على الإنتاجية ؟ ألا من طروحات تزلزل الثقافة العمالية من حيث نوع وجودة العمل؟
وها أنا اطرق هذا الباب ،إذ بذلك ، أود الإشارة إلى أنماط من الأيدي المنتشرة في كل مكان ،وذلك ليس على وجه حصر هذه الأنماط ، وانما تذكيراً ،وسعياً لتنبيه الأذهان ….
ولو القليل القليل إن أمكن :
فيد تزرع القمح ……….ويد تزرع الحشيش ، يد تصنع الخبز …. ويد تصنع المخدرات
يد تبيع التمور …. ويد تبيع الخمور، يد تحسن صنيعها … ويد تغش بكل الوسائل المتاحة
يد تعض على الأمانة بالنواجذ……..ويد تمتد شيئاً فشيئاً لنزع الأخضر واليابس
يد تخط القول السديد …. ويد تخط غير ذلك لغرض في نفس صاحبها
يد مليئة بالغلظة والعنف ….ويد لها مسحات سحرية رحيمة
يد تشد على الأيادي الهزيلة …… ويد تسرق جهد الأيدي ، فلا تبقي ولا تذر
يد تنقب الصفحات لتعطي علماً… ويد تحمل كتباً كأسفار الحمار، تضيع الوقت ، وتورث الجهل
ويد تعطلت عن العمل بسبب هروبها اليومي مع صاحبها ..خارج أسوار العمل
ويد معطلة بالرغم من تواجد صاحبها( صاحبتها ) في العمل بسبب ظروفه ( ظروفها ) الخاصة المتعلقة بأحاديث (النميمة واللغو) الجماعية الطويلة المملة ، أو الأكل والشرب والنوم وقراءة الجريدة ، أو متابعة أعمال مشروع الـ ( game ) التي بدأت في يوم العمل السابق ،أو تقطيع الخضار وإعداد( رولات ورق العنب ) للتمكن من وضعها على النار فور الوصول للبيت .. ، أو لقياس الملابس ومطــــــها … (إذ قد تستغرق عملية المط والتداول – ومن خلال اجتماع مغلق- إلى ساعات ، ليتم التوصل في النهاية إلى إنجاز رائع.. و قرار حكيم … مفاده … الاختيار الموفق للون الفوشــــي ،أو الزهر مثلاً ) .
من المؤسف والمحزن أن كل هؤلاء ( غثهم وسمينهم) يطلق عليهم مسمى ” أيــــدي عامــــلــــة ” ، أي يقفون جميعاً على صعيد واحد ، مطالبين (بكل جرأة وتحدي ) بنقودهم وحقوقهم غير منقوصة ؛ فالسلبيون سباقون للمطالبة( معبرين عن ذلك بحك باطن الإبهام بباطن السبابة وثني الأصابع الأخرى) ، فرارون من الواجب والنزاهة ، ليجسدوا بذلك أعمق معاني الأنانية والطمع وعكورة الوجه ، أما الايجابيون ، فيتقنون الصنعة بتفاني , بعيداً عن أي التفاف ومن أي نوع , ومن ثم , يلتفتون للمطالبة .
فيا أيتها الأيدي العاملة ، تخيلوا دبيب النملة السوداء ..على الصخرة الصماء.. في الليلة الظلماء ؛ فالله يعلمه، علماً بأن دبيب النمل أصغر بكثير من صنيعه، وعلم الله بلا حدود . فماذا عن مراقبته تعالى لصنائع البشر المكلفين المحاسبين !؟
رسالة تذكير أبثها ، للوقوف مع النفس ، وتقييم المهنة ، لأقول : ألم يئن الأوان للتغيير؟ !! ألم يئن الأوان لمراجعة النفس حول مصدر لقمة العيال وانعكاسات ذلك على الأسرة في الدنيا والآخرة؟
انهما الوازع الديني والإرادة ! لتنقية مهننا من الشوائب صغرت أم كبرت، وكل واحد يعرف نفسه ومهنته وما صنعت يداه عز المعرفة .
أما إن كنت مطمئناً لأدائك وصنيعك ونلت كل ما تستحق لقاء عملك ، فاشكر الله وحافظ على ذلك ، وإن لم تنل ما تستحق ، فاحمد الله الذي لا تضيع ودائعه ،ثم اسعى للتغيير ما استطعت .
وليسعى الكل دوماً إلى تنمية وتطوير مهارات عمل الدنيا والآخرة .
أما أنت يا وسائل الأعلام ، فلا تسلطي أضواءك على الحقوق دون الواجبات ؛ فهما متلازمتان لايمكن فصلهما إطلاقا , سعياً لتحقيق العدالة في المنافع المتبادلة بين العامل وصاحب العمل من خلال منح مستحقات تبعاً لكيل حقيقي للمهام والواجبات المنفذة , وبالتالي , رفع الإنتاجية .
وأخيرا ، فالفيصل و تاج القول ، قوله تعالى : ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون ” . صدق الله العظيم .
والله المستعان .