الحياة بين الكتب ، وتعاطي القراءة بين دفّاتها ، ومعاشرة أوراقها تقليباً وطيّاً وكتابةً ( تهْمِيشاً وتَحْشِيَةً ) ؛ طقوسٌ خاصة لا يعرفُها إلا مَنْ ذاقها ، ومن ذاقَ عرَف ..
لا يعرفُ الشوقَ إلا من يكابدُهُ ** ولا الصبابةَ إلا من يُعانيها
ومن أجملِ الكتبِ التي تدخِلُكَ تلك الأجواء في غير مللٍ وببساطةِ ورخاء ؛ الكتاب الموسوعي “قالوا في الكتاب” للمؤلفيْن : ( هاشم فرحات ، ومحمود سيد محمود يوسف ) وهو من الإصدارات الفاخرة والمميزة لمكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض عام 1423هـ .
جمع المؤلفان في هذا الكتاب المئات من الحكم والأقوال والأمثال والأوصاف والمقولات المتنوّعة في الكتاب وأحواله حباً وبُغضاً ، قراءةً وتأليفاً ونشراً ، إعارةً ومنعاً ، نقداً وحَرْقاً .. حيث احتوى على 23 فصلاً مع القليل من العناوين الداخلية ببعض الفصول ؛ تفاوتتْ الفصولُ فيه طولاً وقصراً بشكل كبير جداً ؛ ففصولٌ لا تتجاوزُ ثلاث صفحات وأخرى بالعشرات !
ليس هناك مَنْهجيّة علميّة خاصة للكتاب كبحث علميّ يسيرُ وفق خطة موضوعية تتناول مشكلةً معيّنة ؛ وإنما هو أقربُ إلى الموسوعة في جمْعه واقتطافه لأقوال العلماء والمفكرين والأدباء في شأن الكتاب ؛ نبَشَ فيها المؤلفان أكثرَ من 350 مصدراً ومرْجعاً أثبتوها في آخر الكتاب .
تتمحورُ عناوينُ الفصول نحو التالي : اختصار الكتب ، اختيار الكتب ، استخدام الكتب بين نمطين من السلوك ، أسواق الكتب ، الإعارة ، أنواع الكتب ، إهداء الكتب ، التأليف والمؤلفون ، تقييد الكتاب ، جمع الكتب بين الإفادة والهواية ، حرق الكتب ، الرقابة على الكتب ، سدنة الكتب ، عناوين الكتب ، فضل الكتب وأهميتها ، فقد الكتب ، في حب الكتب ، في وصف الكتب ، القراءة .. فضلها وأهميتها ، المكتبات ورسالتها ، نشر الكتب ، نقد الكتب ، حكم وأمثال في الكتب .
ولم يتناول المؤلفان تحت كل فصل موضوعه تناولاً تفصيلياً بل سرَدُوا تحت كل عنوانٍ النُّقُولَ الشعرية والنثرية فيه عربيةً أو أجنبيةً مترجمة ، لذلك فكل فصلٍ من تلك الفصول يمكنُ تأليفُ كتابٍ مفردٍ فيه ؛ فهي عناوين مُجملة فيها الكثير من التفاصيل والدراسات التي أُفرِدَتْ لدى بعض الباحثين ، وما زالتْ تحتاج إلى إشباع !
اعتنى الكتابُ بالتعريفِ برسالة المكتبات بأنواعها سواءً كانت : خاصة ، أو عامة ، أو وطنية ، أو جامعية ، أو مدرسية .. من خلال أقوال العلماء والمفكرين في ذلك .
ولم يغفل كذلك بيانَ أهمية القراءة وفضلها من خلال نماذج حية لمحبي القراءة عبر مقتطفات من أقوالهم في الحث على القراءة ، وأثرها ، وآدابها ، وكذلك ما يتعلّق بقضية العُزُوف عن القراءة !
ولعلّ من أكبرِ فصول الكتاب ما يتعلق بوَصْفِ الكتب ؛ حيث امتلأتْ قرابة الخمسينَ صفحةً بمجموعة كبيرةٍ من النصوص الشعريّة والنثرية في وَصْف الكتاب مما تغنّى به الشعراءُ خاصةً ، إضافة إلى مقطوعات نثرية طويلة – بالصفحات – لبعض الأدباء والمفكرين سُمّيَ بعضُهم والبعض الآخر ظلتْ النسبة إليه مجهولة ، إضافة إلى أقوال الحكماء وبعض الفلاسفة من الأعاجم .
وفي التأليف والمؤلفين تناول الكتاب مأثورات عديدة في الحث على التأليف شعراً ونثراً ، وفي مقاصد التأليف وأهدافه ، وآدابه وأخلاقياته ، والمؤلفين مالهم وما عليهم ، وما يتعلق بحقوق التأليف أيضاً .
أما في إعارة الكتب فقد توسّع الكتابُ ليُبحِر في النقول الحاثّة على الإعارة ، وفي المقابل أورَدَ كذلك ما يتعلق برَفض الإعارة وفيه أيضاً أقوالٌ وَفيرة ، مع التطرّق كذلك لموضوع الإعارة بقُيُود لمَنْ يشترطها ، وكذلك آدابها .
ومن العناوين الجميلة الفصل المعنون “استخدام الكتب بين نمطين من السلوك” وهو مبحث مهم وجميل جداً أن يكون مدارَ بحث ودراسةٍ جادة ، إلا أنّ المؤلفان حصراهُ في سلوك احترامِ الكتب وتقديرها وحَشْدِ ما قيل في ذلك ، ثم أعقباهُ – على الضِدّيّة – بموضوع الإساءة للكتب !
تقريباً رُبْع صفحات الكتاب – مِنْ 514 صفحة – ذهبتْ في قوائم المصادر والمراجع ، والكشافات المتعددة التي شملتْ : الكشاف الموضوعي ، كشاف الأعلام العرب ، كشاف الأعلام الأجانب بالكتاب .
وفي الجملة يعدّ هذا الكتاب موسوعةً رائعة جداً في معظم ما قيل في الكتب وأحوالها مما صدّرَهُ الأعلامُ والمفكرون والأدباء والشعراء وغيرهم مما التقط دُرّهُ مؤلفا الكتاب من سيَرِهم الذاتية ومن بعض الكتب التي اهتمّتْ بجمع مثل تلك المقتطفات الراقية التي يَحتاجُ – لاشك – عشّاقُ القراءة والكتب إلى استحْضَارِها والتأمّلِ فيها بيْن الحِين والآخر كأحد الحوافز المَعْرفيّة المُهمّة لمواصلة مسيرَتِهم القِرائيّة مع الكتاب .
* مِن آخِرِ السّطْر :
كم هو جميل أن تعيش للحظات مع عشّاق الكتب وتتنفّس غرامهم وترى بعيونهم الكون والحياة ![/JUSTIFY]
مابين جمال البداية ‘الحياة بين الكتب ‘ وعمق النهاية ‘كم هو جميل ان تعيش للحظات مع عشاق الكتب ‘ فلسفة خاصة لقارئ نهم وكاتبا مختلف صادق تهنئتي لصحيفة مكه بتواجدك بين صفوفهم