** عندما كنت طالبا بالصف السادس الابتدائي .. كان النظام المعمول به حينذاك أن مكان اختبارنا هو خارج البلدة التي ندرس بها , فنحن كنا ندرس بالعقيق أحدى بلدات منطقة الباحة , ومكان الاختبار في بلدة الظفير . ** سافرنا … إلى الظفير نحن الطلاب ( حوالي 14 طالبا ) وقرر مدير مدرستنا الأستاذ حسن السمع رحمه الله أن نتشكل في ( عزبة ) واحدة , وكلف معلما ليرافقنا ويشرف علينا ويستأجر لنا بيتا في الظفير , ويكون لنا بمثابة الأب طيلة أسبوعين , كما طلب مدير المدرسة من العم ” علي – فراش المدرسة ” أن يرافقنا هو الآخر ليعد لنا طعام الغداء والعشاء , وبراريد الشاي التي كنا نحتسيها عصر كل يوم , وكأنها أعظم مشروب في عالم اليوم . **
وصلنا الظفير ترافقنا السلامة , وفي داخل أعماقنا الصغيرة خوف عظيم من الاختبارات , ومن شبح الغربة , ومن عالم العزوبية , الذي دخلناه مبكرين جدا , وحدث أن قام الأستاذ المشرف علينا بتوزيع العمل بيننا , ووضع جدولا بذلك , علقه على جدار الغرفة الوحيدة التي ” تكومنا ” داخلها كقطع من السردين . ** العمل الذي وزعه علينا أستاذنا هو … قيام طالبين منا يوميا – بالتناوب – بالذهاب إلى محل الفوال لإحضار التميس والفول لـ ” الرفاق ” من صباح رب العالمين .. ومجموعة أخرى تنظف الغرفة .. وثالثة تساعد في تجهيز الغداء وغسيل الصحون والقدور ورمي النفايات .. ورابعة لإعداد طعام العشاء . وهكذا بالتناوب يوميا . **
كنا نذاكر يوميا للاختبار رغم أعباء عمل ” العزبة ” .. بعضنا يجلس في الغرفة يستذكر مواد يوم الغد , ومجموعة تختار خارجها قريبا منها . ** والأستاذ – بالطبع – يراقبنا من على بعد , كما لو كنا قطيعا من الماشية .. وبعد أن نتعشى , ونؤدي صلاة العشاء كنا نأوي إلى فرشنا المتواضعة – التي أحضرنا معنا منقولة – لنكون بذلك ” أتخن نايمين ” . ** لم يكن أحد يدفعنا للاستذكار , ولا يحضنا على المراجعة , وإنما كنا نحن بأنفسنا نملك ” دافعية ” هائلة إلى الانكباب على كتبنا , وكراريسنا في …. لذة عجيبة . ** انتهت الاختبارات وأظن أن ” الرفاق ” قد نجحوا جميعا , رغم رهبة اختبارات زمان , وضيق ذات اليد , و” أشغال العزبة ” .. وغيسل كل منا لملابسه بنفسه … الخ . ** كان ينافسني على المركز الأول من بين الرفاق زميل في غاية الذكاء والألمعية اسمه ” بشير ” فطار بالترتيب الأول , وترك لي الترتيب الثاني بعه مباشرة . ** أبناؤنا هذه الأيام لم يمروا بما مررنا به من ضعف الإمكانيات , وشظف العيش .. ومع ذلك فإنهم لا يستذكرون دروسهم إلا بـ ” العافية ” ولا يملكون من الدافعية إلا الزهيد منها , رغم بحبوحة الحياة من حولهم , ورغم الدراهم التي تنساب بين أصابعهم انسياب الماء في الجدول . ** إذا حضضناهم على الاستذكار , أغلقوا غرفهم .. لكننا ونحن نسترق السمع لهم نجدهم يتابعون مونديال جنوب أفريقيا , وإذا رأينا أنوار حجراتهم مضاءة إلى قرب منتصف الليل أشفقنا على مكابدتهم للمراجعة ساعات طوال , لكن المفاجأة أننا نجدهم منكبين للأسف على ” البلاستيشن ” عبر الانترنت مع أحد رفاقهم .. فلا نملك إلا أن نضرب كفا بكف . ** المؤكد أن الحياة الآن قد تغيرت , وان إنسان اليوم هو أيضا غير إنسان الأمس .. لكن الذي لم يتغير أبدا هو نظام الاختبارات , وأسلوب ” تقويم ” الطلاب !! . ** أحس … بوجود خلل كبير ..
فطالب اليوم لم يعد يناسبه أسلوب التلقين , والحفظ , وتفريغ المعلومة صباح يوم الاختبار . ** لابد – وحتما – من استحداث نظام اختبارات جديد ومختلف , يقيس قدرات طلاب اليوم , بما يناسب حياة اليوم ….. وإلا فان الزمن سيتجاوزنا …. هذا إذا لم يكن تجاوزنا فعلا .! ** الأخطر …. أن الكثير من أبنائنا قد صاروا يكرهون اختبارات هذه الأيام , وتبعا لذلك فليس مستبعدا أن يكرهوا حتى المدرسة , والاستذكار …
بخيت طالع الزهراني
سلم لي
على الاختبارات
وقل لها
صح النوم
العالم وصلوا القمر
الله يرحم حالنا – بس
سلم لي
على الاختبارات
وقل لها
صح النوم
العالم وصلوا القمر
الله يرحم حالنا – بس