من المعادلات الصعبة أن هناك مؤلفات استغرقت سنين طويلة من أعمار مؤلفيها . نعم كان يجود العلماء بسنين من أعمارهم في تأليف كتبهم فمنهم من قضى خمسين عاما في تأليف كتاب ولعل كتاب الأغاني لأبي فرج الاصفهاني خير مثال على ذلك . كتاب الأغاني الذي أجمع كثير من العلماء على أنه أهم كتاب في أخبار العرب وأنه فريدا في مجاله ، وقد وصفه أبن خلدون في مقدمته بأنه ” ديوان العرب وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال ولايعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه ، وهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها ” وقد أهداه الاصفهاني إلى سيف الدولة . وول ديورانت قضى أربعين سنة في تأليف كتابة ” قصة الحضارة ” في أربعة وأربعين مجلدا وقال عنه ” لن يسعدني شيء بمقدار مايسعدني أن أنصرف بجهدي كله لهذا العمل فلا تشغلني شواغل أدبية أخرى ، وسامضي في العمل ما اسعفني الزمن وما عاونتني الظروف راجيا أن يشيخ معي عدد لابأس به من معاصري في تحصيل العلم ، وأن يكون في هذه الأجزاء بعض العون لأبنائنا على فهم الكنوز التي لاحد لها مما يرثونه عن أسلافهم والاستمتاع بها ” والأمثلة كثير فابن عبدالبر قضى ثلاثين عاما في تأليف كتابه ” التمهيد ” ومثله ابن عساكر في تأليف كتابه ” تاريخ دمشق ” . معادلة صعبة بين الماضي والحاضر كانت الهمة دافع الإنجاز في الماضي فبنيت الحضارة الإسلامية التي كان يشار إليها بالبنان لأن علماء الأمة في حينها منتجون للمعرفة ، واليوم لكم الحكم على حالنا بعد المقارنة .
0