به الرِّقة .. وفيه الطِّيب .. ومنه الحنان وهو يطبِّق ما يؤمن به نصِّيًّا وفعليًّا من – الموروثِ العظيم: ((مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ))، ولم تُغرِهِ الحياة بملذاتها وغرورها؛ لأنَّه لم يُعِرْها الاهتمامَ البالغَ أصلاً، ولم يمكِّنْها من قرار أمره، ولم تتجاوز حدودها في فرض غايتها بعد فرض غوايتها! ولم تَنفُذ إلى طرف قلبه ؛ حتى تستطيع أن تسرق لبَّ عقله، حكيم في تفهمه لمجرى الأحداث في الحياة،وكبير في تحديد مفهومه لزخرف الدنيا ومتعها ((هي الأيام كما شاهدتها دول .. من سره زمن ساءته أزمان)). يعطي فوق المفروض .. ويزيد فوق الحاجة .. ولا يخاف قلَّةَ ذاتِ اليد والفاقة .. لا يُرهق تفكيره بأمور عابرة .. ولا ظواهر صاعدة .. ولا رياح متقلِّبة .. وإن واجهته الأعاصير أشار إلى من هو دونه؛ علَّه ينهي المعضلة..!! فالمهمُّ عنده أَلَّا يكدِّر خاطره، وخاطر من حوله؛ فالحياة لاتساوي في باله شيئًا.. ولا تحتمل مزيدًا من الهمِّ، ووَفْقًا للمبدأ المقدَّس والأبديِّ فإنَّها لا تعدل جناح بعوضة. إنَّها النَّظرة الثَّاقبة، والرُّؤية الصَّائبة.هكذا هو، وهكذا تكون تصوراته. التَّعدي عنده خط أحمر، ويعرف أن عواقبه هالكة؛ لذلك لا يتجرَّأُ بنفسه تجاوز المسموح .. والخوض كثيرًا في المرفوض، وهذا من باب أولى والمفروض على من تحت طاعته، فالسَّيد ملزم وبالتالي المتبوع أحق وألزم، وهذا المفترض، وهذا المؤكَّد في مجمل الأمر؛ ولذلك كأنَّه يشبه تلك الغيمة الممطرة، خيرها يسير في أرجاء الحياة ، وحلاوة عذوبة مائها كأنَّه ينهمر في قلوب صادقة صافية،والتي لا تحمل في عمقها أحقادًا بغيضة جائرة، بل لاتعرفه أصلا، لله درُّك من ذلك المطاع المهاب الباهي الجميل، ومن حوله زادوا جمالاً مع جماله. كيف صار هذا؟ وكيف هذا كان؟لا غريب! فالقلب الطَّاهر شراينه عذراء من الخبث والكراهيَّة. كم أنت رقيق عذب أيُّها المطر السَّابح في سحائب من الحبِّ والجمال والكمال. فقد أكرمتَها بوقت لايعود أبدًا. ولن يعود. نعم ارتقيتَ فارتقوا، واعتليت فسموا مع غمام السَّماء، ولم يعرفوا الخوف والشَّك والمؤامرة والتَّسابق نحو الأنانيَّة الكريهة، ولم يطيقوا صور الكذب ، وألوان النِّفاق؛ لأنَّ نفوسهم خضراء، كقلبك الأخضر الطَاهر، ولا التَّفرد المزعوم .. والهرولة بشدة نحو المقدِّمة الزَّائفة. ففي اعتقادهم أنها اعتلاء ، وفي عميق جوف حقيقتها عبث وافتراء، بل بُعدٌ مخجل، وأمد كسير مذل، وانحناء قاهر فياليتهم يدركون ابتداء معنى المعقول والمقبول من فضائل الحياة، أيُّها المطر المبهِج تعِبت أغصانك من جفاف الماء، وضيق الهواء، وضعف اهتمام الورى، وبُعد المسقى عن مكان المجرى، وأنت غادرت إلى هناك بلا عودة، ولن تعود وإن عدت – وتجاوزنا الخيال والمستحيل والمعجزة – فستحلف قسمًا أنَّك لا تستطيع أن تَروِي مرة أخرى، فالزُّهور لايمكن أبدًا أن تنمو في عمق الأرض القاحلة المجدبة، ((فلكل شيء إذا مأتم نقصان)).
وداعًا يا مطرَنا .. وداعًا بلا لقاء!!
مقال رااائع وجميل كجمال أخلاق كاتبه
اللهم اجعل قلوبنا نقية صافية تحب الخير للجميع???
بارك الله فيك.
ونفع الله بعلمك مقال في منتهى الجمال
جميل جدا وعبارات متناسقة تناسق المطر.