منطق الطير: “ما فائدة الدنيا الواسعة.. إن كان حذاؤك ضيقًا” جون وليامز.
****
قد يختلف الكثير معي -وهذا حقهم- إن قلت إن فعل “البلوك” أو الحظر في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة فعل “داعشي”، إذْ هو برأيِّ المتواضع ليس مجرد ضغط على أيقونة تحقق مراد صاحبها في استبعاد من يختلف معه في الرأي أو حتى استباقًا لمن يعتقد أن وجوده في قائمة “الأصدقاء” قد يتعارض مع (الحق المطلق) الذي يعتقده، ويتجاوز اعتقاده ذاك إلى السلوك المتشنج المتشح بالكراهية والرغبة في الانتقام!!، الانتقام المؤسس عن شعور داخلي بالرفض للمغاير بغض النظر عن سلوك الآخر تجاهه.
إن المسألة كان يمكن تجاوزها على خطورة ذلك التجاوز لو توقفت عند فعل “البلوك”، فهو فعل لحظي يعكس سوء استيعاب للآخر، ولكن الأخطر حين يدندن شخص ما متوعدًا ومهددًا بممارسة “البلوك” ضد من يخالفه الرأي!! أو يعلق بخلاف ما يشتهي!! مدعيًا أن ذلك (حق)!!، متوهمًا بذلك قوة يصطنعها لإشباع غروره وتضليل تفكيره، فبدل التدبر في وجهة نظره وتقليبها، وعرضها على “ترمومتر” العقل والحقيقة، يلجأ إلى الكذب على نفسه من خلال استلهام العظمة المزيفة، واقتناعه الواهم بأنه يمكن أن يغير الكون ولا يتغير!!.
لا شك أن تلك الذهنية ليست وليدة الوسائط والفضاءات التواصلية –التفاعلية، فهي نتاج منظومة سلوكية متجذرة مترسخة، ونتيجة تراكمات تاريخية وممارسات عملية شوهت العقل العربي، فانتقلت بالفرد من رحابة الصدر وسعة الأفق إلى انقباض النفس وضيق الرؤية، وبالمجتمع من مناخ الانسجام والتعايش إلى ساحة الفرقة والاحتراب، لكن الغريب أن تلك الفضاءات المنكشفة والتي تجاوزت الآفاق وألغت حدود المكان وجزءً غير يسير من خصوصيات الإنسان لم تستطع أن تغير ذلك المسار بل للأسف كرسته!!.
إن الحرية لا تعني ممارسة الرغبات بعيدًا عن كل صوت ناقد أو حتى منتقد، إذْ أن الحرية فعل إيجابي متجدد ومتسق مع منظومة الأخلاق العامة، وهي فعل واعي تستوجب الاستماتة لإعلائها، من خلال قبول الآخر والاستماع لوجهة نظره، ومناقشته بكل محبة، ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل يتعداه إلى الانحياز إلى الحق والصواب متى بان، والأهم من كل ذلك أنها ممارسة ذاتية داخلية، فلا يمكن بحال من الأحوال قبول الآخر قريبًا أو بعيدًا، وهناك رفض داخلي للذات، الذات الراضحة لكثير من الأنماط التفكيرية والممارسات السلوكية التي يُعتقد بخطئها!!..
خبر الهدهد: ملك ملوك “القروب”!!