المقالات

ملك ملوك “القروب”!!

منطق الطير: ” الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرًّا أو لا يكون حرًّا” نيلسون مانديلا. 
أوجدت الشبكات التواصلية المختلفة على الانترنت مجتمعات موازية، مجتمعات تتشابك مع الواقع لكنها قطعًا ليست بواقع، مجتمعات تدور في فلك الافتراضية لكنها في المقابل ليست بيئات افتراضية، إنها بالتوصيف المبدئي المبسط عوالم جديدة أُطلق عليها غالبًا توصيف “العوالم ما وراء الافتراضية”؛ تلك العوالم التي تجاوز فيها عدد غير قليل من المتفاعلين دور الشبكات الاجتماعية كوسيط اتصالي بين مجموعة من الناس  إلى كونها فضاءً مؤسسًا لحياة مشتركة مختلفة، من حيث القيم أو الأدوات.

لعل من أبرز تلك التجمعات ما يعرف بـ “القروبات” أو المجموعات على تطبيق “الواتس-أب”، حيث بدأت التكتلات تتشكل عفويًا على مستوى الأسرة والقبيلة ومجتمع الأصدقاء وزملاء العمل وشركاء الهواية ومتمرسي الإبداع..، وشيئًا فشيئًا انتقلت تلك التجمعات من مجرد كونها (قَعْدَةْ) أو (لمَةْ) أو (شَبَةْ) ارتجالية للسؤال والاطمئنان وتبادل الأخبار والتجارب والمعارف وحتى لتمضية الوقت والتسلية ولشيء من المناكفات، إلى ما يشبه “الكنتونات”، حيث التنافس البغيض!! سواء على مستوى ذات المجموعة أو على مستوى المجموعات فيما بينها، تنافسٌ يبدو متفهمًا في زمن تُسأل فيه عن عدد أصدقائك في “الفيس بوك” وعدد “القروبات” على هاتفك الذكي!!.

في هذا المناخ بدأت الأقنعة تتساقط عن كثير ممن صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الحرية!! وعن قيم التداول السلمي!! والرأي والرأي الآخر!! وانتقاد الحاكم “نصف الإله”!! أو “الحاكم بأمر الله”!!، حيث تحول كثيرٌ ممن بادروا إلى تأسيس المجموعات إلى محاكاة ذلك الواقع الذي تعال صوتهم رفضًا له، يمارسون كل صنوف الإقصاء والإسكات سواء بمحاولة توجيه أي حوار من خلال التلويح بملكية هذا الفضاء والقدرة على نسفه في أي لحظة!! أو بإزالة من يخالفونهم الرأي، حتى كأني أرى بعضهم يرتدي بزة عسكرية! أو جبة مزركشة ويهتف: (ما أُريكم إلاَّ ما أرى…أنا ملك ملوك “القروب”)!.

لا يعنيني قطعًا في هذا المقال ذلك السلوك اللحظي المتولد نتيجة زهو زائف في فضاء لا يزال يتشكل، ولا أحد قادر بعد على دقة استشرافه، وإنما يعنيني انعكاس أثر ذلك على واقع رديء معاش، مثخن بالرداءة والكبت والاستبداد، الاستبداد الذاتي والفردي بعيدًا عن الاستبداد السلطوي، ذلك الاستبداد الفاتك بالحرية أكثر من استبداد الأنظمة ومؤامرات القوى “الاستدمارية”؛ إذْ لا حرية لمن لا حرية بداخله.

خبر الهدهد:

انتصارًا للفلسفة..( #بدون_ ماكدونالدز)

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. يبدو أنها وقعت في أيديهم لتنظر ماذا يفعلون؟ تلك التطبيقات والبرامج التواصلية أتاحت خاصية بلوك مع دليت في فضاء قائم على الحرية!لكن آلية الاستخدام و التوظيف وضعت صورة جلية لكل المخاتلات!
    د.عبد الحق .. شكرا

  2. رائع، وهو الواقع الملموس لذوي البصيرة، وكشف فاضح لمنظري اللحظة في جانب تطبيقي خلا الا من مغالطات تنضح بنرجسيات مخبوءة.
    تحية استاذ/ عبد الحق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى