منطق الطير: “إن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة، وكل جواب فيها يتحول إلى سؤال جديد” كارل ياسبرس.
هل يمكن أن نعيش بدون “ماكدونالدز”؟ تبدو الإجابة من الوهلة الأولى سهلة ويسيرة ولا تحتاج إلى تفكير عميق؛ على هذه الأرض وجد الإنسان وعاش دهرًا طويلاً دون وجبات سريعة ولا مشروبات غازية، ويمكنه أيضًا أن يكمل ما تبقى للحياة من عمر دونهما، دون أي تأثير إلاَّ في الاتجاه السليم الذي يُسهم في تحسن صحته وحياته، ومع ذلك فإن القول: (لا نحتاج إلى ماكدونالدز) سيزعج الشركة العملاقة التي تعتبر من أدوات “الاستهلاكية” المتوحشة البغيضة في القرن العشرين، بل ربما أغضب الكثيرين.
لا يعنيني في هذه السانحة “ماكدونالدز” كشركة للأطعمة غير الصحية يتم التحذير منها في بلدها الأم، ولا كشركة يُثار حولها جدل كبير كأحد أكثر الشركات عداءً للعرب!، فبالنسبة لي قتل الأنفس تخمةً أو غدرًا أمر لا يقارن أمام القتل القائم على اغتيال التفكير وتزييف الوعي!، ذلك فعلاً ما أقدمت عليه “ماكدونالدز” في دعايتها السخيفة لترويج منتج القهوة الجديد من خلال إطلاقها لوسم (#بدون_فلسفة)، دعاية تبرز استخفاف القائمين على هذه الشركة في الوطن العربي بالإنسان، وكأنها تريد إيصال فكرة: كل وأشرب كالأنعام أو أضل سبيلا!!!
لم تكن الفلسفة يومًا ترفًا يمكن الدعوة لتجاهلها، ولا مجارة لذلك التداول السطحي الذي يُروج لها على أنها الكلام التافه المحشو بالثرثرة والمثير للتهكم والاستهزاء، ووسم التفلسف كعملية تفكيرية عميقة بالتقعيد والتعقيد، وربط تساؤلاتها الجدلية الوجودية بالعبث والخبل!!، إنها تستمد من اسمها اليوناني (فيلو سوفيا) عمق “محبة الحكمة”، الحكمة التي تتجاوز حصرها في الحلم والعدل وإحسان الصناعات وإحكام التجارب إلى اتساع المعرفة والعلم و أفق النبوة والأديان، الحكمة كآية من آيات التفكر والتدبر.
رغم كل تلك المرارة التي تتذوقها وأنت تقرأ تلك العبارة المؤلمة والتي تتجاوز مرارة القهوة، يمكن أن تكظم غيظك من ” ماكدونالدز” ومن بعض العقول التي أُشربت ذهنية “سندوشة” حياتها المتخمة بالاستهلاكية والرفاهية، وسذاجة التفكير، ولكنك لا يمكن أن تغض الطرف أو تتجاوز عن تفاعل كثير ممن يُحسبون على “نخبة المجتمع”!! و”أساطين الثقافة”!! بل العجيب أن يحسب بعضهم على (الفلسفة)!! وهم يتداولون ويجترون ذلك الوسم باستخفاف! ودون مراعاة لعظم ذلك التشويه الذي يطال بنية التفكير، فالدعاية في الحروب كما في السلام أخطر من الوباء!!!.
خبر الهدهد: “سيلفي..”
*شارك معنا في وسم ( #بدون_ ماكدونالدز)، لنتفلسف انتصارًا للأسئلة وتعميقًا للأجوبة.