المقالات

ونعود الى (تــا) و (ثــا )

هناك أسماء ليس وراءها أي سرّ أو دلالة، ووجود (تا) أمر عادي باعتبارهما حرفين رئيسين من مكونات الاسم، مثل (حتَّــا) في دولة الأمارات، وأثبتها جغرافيو العرب بالألف المقصورة، أي (حتّـى)، والمشتى في سورية، أو مشتى الحلو.

كذلك كلمة (تاريخ)ويقابلها بالحبشية (تاريك)، مع الإشارة إلى كثيرٍ من الجذور المشتركة للغة الأمهرية والحبشية والصومالية السواحلية والشَّحريّة مع العربية بل وحتى العبرية!

وفي الاستعمال الشخصي الاسمي طالعتني(تــاجـــا):

وهي ابنة ذي الشفر الحميرية، معروفة في اليمن، وقد حفر السيل رمسها فوجدوه عبارة عن مومياء في عنقها سبعة بخانق من دُرٍّ،  وفي يديها ورجليها أسورة ودمالج وخلاخيل، وفي كل أصبع خاتم ثمين، وعند رأسها تابوت مملوء مالاً، ولوح كتب عليه اسمها، وأنها ماتت جوعاً، بعد أن أبطأت ميرتها ولم ينفعها الذهب، وفق رواية الفيروزابادي.

ووجدنا في بحثنا (تا مارا) اسم لفتاة، وأحيانا بلا ألف ( تَـمارا).

ووجدنا (التابوت/ تـــابوت): صندوق الموتى.

أما في الأسماء المنتهية بـ(تا) إضافة إلى ما ذكرنا في مطلع بحثنا فهناك:

ناحْتا ( أو ناحِتة/ مؤنث ناحت: اسم الفاعل من الجذر: ن ح ت )، قرب بسر الحريري وازرع في حوران – سورية، ورأيت من الباحثين من يرسمها(ناح+ تــا).

صافيتــا في سورية.(صافي+تـا).

سحيتــا، في الجولان المحتل في سورية.

زغرتــا في لبنان، مع استذكار اسم إحدى بنات نبيّ الله لوط عليه السلام( زُغَــر Zugar)(2)، وفي مصر تطالعنا زفـتـــا، وفي العراق( باراثا أو باراتــا) و(حنيتا) و(دالاتا) في الجليل الأعلى بفلسطين المسلوبة.

وفي الأسماء المؤنثة وجدت ( أنا سارتــا) وهي التي كشفت في عام1996م، في بلدة خناصر في (ادلب – سورية ) ويعود تاريخها إلى حوالى (سنة320 م) وفيها نصّ منقوش على حجر بازلتي يقول:

كما تمتعَتْ بالنور كذلك ماتتْ،

أيتها الأرض تكرمي باحتضان ملكة العرب،

فهي وأخواتها كرِّموا من قبل خدامها “أورانيوس”!

وحكاية ملكة العرب(أنا سارتا) تشابه قصة ( تاجــــا) اليمنية.

وتطالعنا في الأسماء أيضت ً (أوجاريت/ أُجــاريتــا) وكشفت مكتوبة بشكل UGRT ، بدون الحروف الصوتية، فاقترحها المؤرخون(أوجاريت) توفيقا وليس توقيفاً ونصّاً.

، فما المانع أن تكون ( أجاريتا) أو (يو جاريتــا) ؟!

ووجدت في بحثي (هاشتـا) في لهجة أهل الأحقاف وتعني الحرب التي تزهق الحياة والأرواح.

و في محاولةٍ مني للتفسير والبحث الدلاليّ لإلقاء الضوء على ما سبق استنتجت:

تــاو : في اللغات السامية تعني تجمع المياه، والماء أصل الحياة، كذلك تاب أو ثاب، تأتي بمعنى” الإله”، إضافة إلى معانيها الأخرى ( أصلح وأكمل وأنجز ….)

تاب، ثاب، آب( ءاب): تعني الرجوع إلى الله في اللغة الفصحى، وأرى كباحث جذوريّ أن “تاب” مكونة من ( تــا+اب)، وكذلك “ثاب” أصلها السامي (ثــا + اب)، مع ملاحظة أن التاء المثناة والثاء المثلثة في (تا) و (ثا) تتعاوران ، فجباتا = جباثــا

وبقعاتــا = بقعاثــا …… وهكذا .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

هل هناك من علاقة بين المسميات التي نبحثها وبين اعتباراتٍ دينية إثنية أو عقائدية، كانت سائدةً فيما مضى؟ وهل هناك ما يشير إلى تشابه العقائد بين المغرب العربي والمشرق العربي، بما يؤكد الوحدة التاريخية والجغرافية والعقائدية لعالمنا منذ القدم، وهو ما يدل أن الدين واحد من عند الله تعالى ولا تتغيّر ثوابته، وإنما الإختلاف شكلي في الفروع والشرائع؟

إنَّ ( تـــا ) في اللغات السامية القديمة تعني طالب الحياة، أو الباحث عن الحياة، أو ما يقارب هذه الدلالة: ( ماء، روح، حياة، إنشاء للحياة، أو إعدامها …).

ولنقارن بين هذه المعاني وبين استعمالات (تــا) السابقة، فقد نصل إلى نتائج جديدة، ولعلَّ اسم جبل ( تاكا) في السودان الشقيق يكون الموحِّـد لمشرق عالمنا ومغربه!!!

لقد وحّد هذا الجبل بين (تا) و(كا)، مع ملاحظة أنَّ (تــا) البادئة لبعض الأسماء غالباً ما تكون مغربيّة ، بينما( تــا) اللاحقة لبعض الأسماء هي غالبا مشرقية!!!

 من شواهد بحثنا، ما لاحظناه أيضاً أنَّ ( تــاو) اليونانية القديمة تعني ( الله/ الإله) حرفيّـاً، وهناك مدينة ( تاوفيلُس) وتعني:

فيليس، أو فيليتس: حبيب أو محبوب +تاو: الله

والمجموع ( حبيب الله).

ونتابع أمثلتنا الإستقرائية ولنسجل النتائج:

 أفـراتــا: الاسم القديم لمدينة بيت لحم وتعني المثمر/ الخصب.

تــابــاس(ولعلّها مدينة طوباس الفلسطينية الحالية) وتعني بالعبرية الضياء والنور.

وتابور ( جبل فيالجليل)، كان موئلاً لعبادة آلهة بني إسرائيل وأصنامهم.

( أرتحشش تا): في العبرية هو الذي يعطي القانون المقدس/ السيادة والتأليه. وفي الفارسية تطالعنا ( أدماتا) بمعنى الغالب الذي لا يقهر( لاحظ القرب من التأليه)،وأولاد الإله الفارسي (هامان)، كان كل اسم منهم ينتهي باللاحقة(تــا) مثل أسفاتا وغيره.

في الآرامية القديمة( والتي كانت تسمى الحورانية) نجد (تــا) ترمز للارتفاع أو لبئر الماء، مثل ( بيروتا) وربما هي مدينة بيروت العاصمة اللبنانية، وتعني الآبار، ولفظ ( جباتا/ جباثا) لفظ آرامي بمعنى التل المرتفع، مع ملاحظة أن ” جبا” او ” الجب” هو البئر أو ما حوله من تراب. والارتفاع قريب من:

 

الغالب الذي لا يُقهر،

والسيادة

والتأليــه

أما البئر فهو مجمع المياه، والماء أصل الحياة، وهي هبة من الإلـه .

شــواهـد أخــرى :

–         في الأغريقية تطالعنا دلتا وبيتا وميتا …… الخ “وهي حروف تقول الأساطير أن الله منحها لهم .

–         -في الميثولوجيا الهندية تشرب الآلهة شرابا خاصا يدعى (آمريتا) وهو إكسير الخلود , استخرجته الآلهة بتحريك حليب البحار , وهنا تتعانق فكرتا الآلهة والمياه .

–         -تان كا : راية الهيكل المقدس في التيبت .

–         -غيتا : من النصوص البرهمية الداعية للتأمل والعبادة .

وأخيراً هل يمكن أن نؤسس على نتائجنا المتواضعةمفتاحا جديدا للبحث في فقه اللغات السامية وجذورها، واستنتاج وحدة اللغة وكونها وضعاً إلهيّـاً طرأ عليه اختلاف وتغيير بشري لاحقــا ؟؟؟!!!(3).

هذا والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين.

——————————————————

حاشـــيـة:

(1)-ومن طرائف طهياثا أن نفراً خرجوا للتنزّه في سهلها الجميل ذي المياه العذبة فقال أحدهم:

نلنا لذيذ العيش في طهيـــاثــــا فقال الثاني:

لمّــا وردنــا ماءها استحثـاثــا

وكان الثالث منهم أحمقاً ، فما دري ماذا يقول مجاراةً لهم ، وأخيرا ً نطق فقال:

وامرأتــي طــالقُ ثــلاثـــــــــــــا

ثم تذكّــر نادما، فجلس يبكي وهم يضحكون على حماقتــه!!!

 

(2)-مجلة الفيصل السعودية – الرياض/ العدد 238 .

(3)-معجم البلدان لياقوت الحموي، والقاموس المحيط للفيروزابادي، وفقه اللغات السامية لبروكلمان، وتاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى