لُجة الأيقونات- عبد الحق هقي
منطق الطير: “من أكثر المناورات الفكرية خسة، التحدث بعجرفة عن انتهاكات في مجتمع الغير وتبرير الممارسات ذاتها في مجتمع المرء نفسه !” إدوارد سعيد.
كُلما سُمع صدى “مفرقعة” في القارتين الشقراوين العجوز أو ربيبتها المتعجرفة إلاَّ سارع بعض (مرهفي الحس)!! عندنا ممن تبهرهم أزرار لوحة المفاتيح إلى الإدانة والشجب والاستنكار!!!، إدانة وشجب واستنكار ذواتهم، وجلدًا مقيتًا لقيم ومعتقدات مجتمعاتهم!! حتى قبل التأكد من فاعل الفعل وحجم الفعل ووقع الفعل ودوافعه وآثاره، شيء يدعوك للاشمئزاز، ويشعرك باهتزاز رهيب في ثقة البعض بأنفسهم، وخلل عميق في منظومة تفكيرهم وجلد قاسٍ لذواتهم، علاوة على ازدواجية مقيتة في التعامل تجاه ذات الحدث أو لنقل الحقيقة حدثًا أشنع وأبشع.
حين قلت “مفرقعة” لم أكن أقصد قطعًا التهكم، وإنما محاولة لتقريب الصورة في تصوير ما يحدث لديهم من فعل -ولا شك أنه مستنكر- في مقابل ما يحدث لدينا سواء كان بأيدينا أو أيديهم، تلك المآسي التي لا يلتفت إليها “بواكي الكيبورد” حتى من باب الإنسانية التي يتشدقون بها، والمواساة التي اتخذوها تجارة، بل ليتهم تجاهلوها فحسب، فبعضهم حين يستلون حقدهم يتجاهلون ذلك الجرح النازف ويزيدون الجرح ملحا، يتلذذون بصراخ المعذبين وأنين الشاكين، وكأنهم يقولون: (( يداك أوكتا وفوك نفخ))!!
أولائك المتوهمون برفع لواء “التنوير” يتجاهلون عن عمد أو سذاجة، أن ما يستنكرونه على طائفة واسعة من أبناء جلدتهم إنما يتحملون جزءً من المسؤولية عن حدوثه، فنقد (الظاهرة الإرهابية) لا يتأتى بالتسطيح الساذج المراهن على ضرورة التسليم بالانهزامية الحضارية أمام الآخر والذوبان في فلك عجرفته، وحصر “كل” الإرهاب في الذات وتجاهل إرهاب المقابل، فالمسألة ذات أبعاد متشعبة متداخلة، لا شك أن جزءً منها ذاتي، لكنه قطعًا لا يوجب كل ذلك الجنون نحو الهرولة للغرب واللهاث صوب اتهاماته.
لا نختلف حول ضرورة مراجعة موروثنا، وتشذيبه مما علق به من تحريف وتزييف أفسد مقاصده الوضاءة، وحمله “الإرهاب” الذي لا يحتمل، غير أن تلك المراجعة لا بد أن تنطلق من دافع ذاتي، وعن اقتناع، وتتم وفق رؤية موضوعية تستند إلى فهم عميق لمنظومة القيم الشمولية، وتراعي الإطار الزماني والمكاني والبنى الفكرية المحيطة لنشوء ذلك الموروث؛ الهدف السير نحو التكامل في منظومة قيمية عالمية أساسها السلام والتسامح والعدل، لا تابعين لمنظومة برغماتية قوامها التحارب والإقصاء والاستغلال.
خبر الهدهد: من الماء إلى الماء…