في إحدى المقابلاتِ الصَّحفيَّة قبل عِدَّة سنوات لمعالي وزير الإعلام السَّابق الأستاذعلى الشَّاعر، يَستدعِي فيه ذكرياتِه حين كان مديرًا للكلِّيَّة الحربيَّة؛ وذكر في حديثه موقفًا من المواقف التي تدلُّ على قرب المسؤولِ من موقع الحدث، وذلك وقت بدء الطُّلَّاب ليومهم العسكريِّ، ووُجودُهُ بالقرب من أماكنِ نومهم قُبيل أذان الفجر؛ لمعرفة حقيقة آليَّة الوضع تمامًا، وعن كثب، من الالتزام الجادِّ بالوقت المحدَّد، والنُّهوض المعتاد المنضبط استعدادًا للطَّابور الصَّباحيِّ، ومن ثمَّ التَّوجُّه لفعاليات اليوم الدِّراسيِّ؛ فهو في تلك الحالة لا يحتاج إلى تقاريرَ غيرِ دقيقة، ولا علي طريقة (كُلّه تَمَام يَا بَيْه)، وفي نفس اللَّحظة يستطيع أن يتعرَّف على الطَّاقات الموجودة لديه، وأن يُقدِّرَ حاجاتِ الميدان الفعليَّة، فحين يُصدِر قرارًا، فهذا القرارُ يكون في محلِّه بعد أن دَرَسَ أبعادَ القرارِ بكلِّ الاحتمالات، فكلُّ أمرٍ يُنفَّذُ تَشعرُ أنَّه في مكانه، ولا يُسبِّب أيَّ ارتباكٍ. فكلُّ الأمور مرتَّبة مسبقًا.
وهذا الحدث يُعطي درسًا للمسؤولين حالِيًّا، فمِن خلال المشاهداتِ اليوميَّة عبر وسائلِ الإعلام .. أو القِراءاتِ للصَّحف .. أو وسائلِ التَّواصل الاجتماعي (social media)، ترى العجبَ العُجابَ من قراراتٍ غيرِ مدروسةٍ .. وغيرِ مُتأنِّيةٍ؛ (فـَكَمْ سَاقَ التَّأَنِّي عَيشُ عِزٍّ … وَكَمْ جَـرَّ التَّسَرُّع ُخَيـْبَ ظـَـنِّ)، فتجدُ دائرةً : يسير العمل فيها على رِتمٍ واضحٍ ومتميِّزٍ، فيأتي قرارٌ طائشٌ ينسِف كلَّ المجهودات.وتجدُ دائرةً أُخرى كان هناك طموحٌ عالٍ لمنسوبيها للإبداع والتَّفوُّق، والانتقال لمرحلة جيِّدة وجديدة بعد مرحلة متدنِّية، وفجأةً خطابٌ مستعجِلٌ يَشُلُّ كلَّ الأعمال فيها، ويُحبِطُ المنتمينَ لهذه الدَّائرة، وكأنَّ هؤلاء المسؤولين لم يسمعوا بشيءٍ اسمُه تخطيط، ولن أقول تخطيط استراتيجي، بل أضعف الإيمان تخطيط تشغيلي، وأرجع واعتذر، ولن اعتبر أنَّ هناك شيئًا في الوجود اسمُه تخطيطٌ أصلاً، ولكن فكرةٌ تُسمَّى تحقيق الأهداف، وإذا كان في كلمة فكرة أيُّ حساسيَّةٍ من كلمة الفكر إيَّاها، فاعتذر وأرجو سحبها حالاً. عمومًا لا أعلم وإلى متى لا ينظرُ المسؤول لِتبعات أيِّ قرار يَصدُر، فهل حين يَتمُّ إصدارُ قرارٍ تَمعَّنَ المسؤول فيه جيِّدًا، وما المقصود؟ أهو القرار ذاته؟ أم المقصود معالجة أمر ما في الميدان؟ أم تحسُّبًا لظرف ما يستوجب المبادرة؟ ولا اعتقد أنَّ الوضع عند بعض مسؤولينا كذلك، فالنَّظرة للمستقبل لم نصلها بعد أبدًا.
القراراتُ الإداريَّة وليدَةُ اللَّحظة، أو المواقف التي لا تخضع إلى دراسة عميقة، ولا تُلامس الواقعَ، ولا تُطابق المنطقَ، بمعنى سهلٍ وقريبٍ جدًّا: لا تُدرس الإيجابيات ولا السَّلبيات جيداً، قراراتٌ تُحبِط العاملين في المستويات الدُّنيا من المؤسَّسات الرَّسميَّة أو غيرها، وقد تَولِّدُ التَّخاذلَ والتَّحطيم في النُّفوس، فحين يشعر الموظَّفُ أنَّ المسؤولَ في وادٍ، وهو في وادٍ آخر، وأنَّ المسؤولَ يهمُّه تنفيذ القرار بأيِّ شكل كان، ولا تَهمُّه أيسر ضرورات العمل، فحينها يشعرُ الموظَّف أنَّ الارتجاليَّةَ هي سيِّدةُ الموقف، فتؤول كلُّ الأمور إلى سوء، والضَّحيَّةُ هم من كان حقُّهم أن يستفيدوا؛ لكن ضاعوا بين قرارٍ لا مسؤول لمسؤول، وبين فقد الموظَّف تركيزه؛ بسبب هذا القرار. وختامًا وعلى منطِق (كُلْ مِنْ إِيْدُهُ إِلُهْ) اللَّهم سلِّم سلَّم.
موفق دائما …في كل اختيارك للمواضيع..
وضعت اصبعك على الجرح أخي الكريم وهذا ما حدث في تعليم العاصمة المقدسة حين تفتق ذهن مديرها عن فكرة دمج المدارس ونقل أخرى مما أربك المعلم والطالب وولي أمره . وهذا القرار لا ينم عن أدنى مسؤولية لدى هذا المسؤول. صفقوا له .. ..وفر على الدولة عشرة مليون سنويا وكلف أولياء الأمور خمسين مليون سنويا.
تخبط.
للأسف هذا كلام عام ويحتاج إلى دراسة حالات خاصة بدلا من استثارة العواطف وتجييش الناس ضد المسؤولين
وإن سألت كم من مسئول معظم قراراتهم إرتجالية فحدث ولا حرج ..