مسجد المستراح : وهو مسجد بنى حارثة، ويقع بطريق سيد الشهداء بالمدينة المنورة. وهو من المساجد التي بنيت على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وصلى فيه. والدليل على ذلك ما رواه الإمام عمر بن شبة فى تاريخه عن الحارث بن سعيد بن عبيد الحارثي: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- صلى في مسجد بني حارثة . ونقل الإمام نور الدين الشريف على السمهودى فى تاريخه الوفا عن الإمام محمد بن زبالة عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه -رضى الله عنهم-: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- : صلى فى مسجد بنى حارثة، وقضى فيه بشأن عبد الرحمن بن سهل، يعنى المقتول بخيبر، أخى عبد الله بن سهل ابني عم حويصة ومحيصة . قلت : وقصة عبد الرحمن بن سهل رواها الشيخان فى صحيحيهما والإمام مالك فى الموطأ وغيره، غير أنه لم يرد فى رواياتهم المكان الذي قضى فيه رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فى هذه القضية. ولكننى توصلت إبان بحثى إلى دليل لم يسبقنى أحد إلى إيراده في تاريخ هذا المسجد المبارك من مؤرخى المدينة المنورة قديمًا أو حديثا، ويؤكد الدليل على عمارته على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- . وذلك أن أهله كانوا في صلاة ظهرًا أو عصرًا، ثم تحولوا من بيت المقدس إلى البيت الحرام وهم فى صلاة ، كما وقع ذلك فى مسجد بنى سلمة فى القبلتين. وذلك لما رواه الإمام الطبراني فى الكبير عن نويلة بنت أسلم رضى الله عنها، قالت : صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلينا ركعتين، ثم جاءنا من يحدثنا أن رسول الله قد استقبل البيت الحرام، فتحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فحدثنى رجـل من بني حارثة، أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ، قال : أولئك رجال آمنوا بالغيب. وروى هذا الحديث أيضا : الإمام أبو نعيم الأصبهانى فى معرفة الصحابة : عن السيدة نويلة بنت أسلم الأنصارية الحارثية رضي الله عنها، وفيه : أن الذي أخبرهم بتحول القبلة عباد بن بشر بن قيظى. وكذلك رواه الإمام أحمد الشيبانى فى الآحاد والمثانى. ورواه أيضا عدد من علماء التفسير فى تفاسيرهم ومنهم: الإمام عماد الدين ابن كثير القرشى فى تفسيره . والإمام جلال الدين السيوطى فى الدر المنثور . وكذلك الامام ابن أبى حاتم فى تفسيره . والعلامة بدر الدين الشوكانى فى تفسيره . مما يدل دلالة صريحة على أن حادثة تحول الصحابة أثناء الصلاة وقعت أيضا فى مسجد بنى حارثة مع مسجد القبلتين على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلا أن أهل مسجد القبلتين تحولوا ورسول الله معهم وهو الأساس؛ لأن آية تحويل القبلة نزلت على رسول الله وهو فيه، فاستدار رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، وهو ما يميز مسجد القبلتين عما سواه وهذه الروايات لا تناقض فيها، لأن تحول القبلة وقعت فى جميع مساجد المدينة الشريفة كلها، ما دام نزل القرآن الكريم يأمرهم بالتحول. وكان حدثا عظيما فى تاريخ أصحاب رسول الله فتناقل الصحابة هذا النبأ العظيم باهتمام سريع. ولكن الميزة التي تميز بها مسجد بنى حارثة : أنهم تحولوا من اتجاه بيت المقدس باتجاه البيت الحرام رجالًا ونساءً، وهم فى صلاة . وصلوا ركعتين من الرباعية باتجاه بيت المقدس، وركعتين منها باتجاه البيت الحرام كما حدث ذلك فى مسجد القبلتين بمعية النبي فلما علم النبي-صلى الله عليه وسلم- بما جرى فى هذا المسجد الشريف أثنى على أهله خيرا، فقال : أولئك رجال آمنوا بالغيب. ووصفهم بأنهم جماعة آمنوا بالغيب. وبناء على ما سبق ذكره : فإن مسجد المستراح هو أحد المساجد التي كانت عامرة على عهد النبوة، وأنه أحد المساجد التي صلوا فيه إلى القبلتين وهم في صلاة . وهى منقبة عظيمة لهذا المسجد المبارك وأهله . . فالحمدلله على فضله فلى السبق في إيراد هذه الروايات الجليلة في تاريخ هذا المسجد المبارك بالذات في كتابى المساجد، علما بأن هذه القصة لم يذكرها فى فضل هذا المسجد وتاريخه أحد ممن كتب عن هذا المسجد حتى الآن. وهو اليوم مسجد عامر بفضل الله تؤدى فيه الصلوات الخمس. وآخر عمارة له كان من عمل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله- الذي عمره عمارة حسنة على صورة المساجد الأثرية بتصميم من العمارة الإسلامية.
————–
كاتب وباحث في تاريخ المساجد النبوية عضو رابطة الأدب الاسلامى العالمية