لُجة الأيقونات
منطق الطير: “الذاكرة لعنة الإنسان المشتهاة ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له سفرًا نحو الحرية فإنها تصبح سجنه، وفي هذا السفر الدائم يُعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام”- عبد الرحمن منيف.
في التذكر والنسيان تجاوز لمسألة طي الأجندة، ومرور الأيام والشهور والسنين، فالذاكرة ليست مجرد شريط لتسجيل الأحداث وتوثيقها، وإنما هي تؤسس لفعل تقويمي، تنتقل فيه الأحداث من مجرد شاهد على مرحلة -على رمزية الشاهد التي ترمز لشاهد القبر- إلى خارطة طريق لصناعة مرحلة، فتداول المراحل والأعمار سنة كونية، تخضع للقدرة المطلقة الخارجة عن التحكم، لكن سيرورة وصيرورة هذه المراحل بما فيها خضوعها لمنطق الصواب والخطأ لا شك أنها قدرة مطلقة يوظفها الإنسان ويوجهها. إذًا يحتاج أمر استعراض منجزات الأعوام إلى الوعي ليتخطى تفحص الأثر الآني لهذا المنجز إلى أثاره المستقبلية، ولا يتوقف عند الفاصل الزمني وإنما يتخطاه إلى الأثر المنتج، فالإنتاج الحضاري ضرورة لاستمرار الوجود وحركية البقاء، فالأمم التي لا تساهم في تشكيل شكل العالم لا يتهددها الاندثار فحسب، ولا تبقى ذيلًا تتقاذفها الأجندات واللوبيهات!! وإنما تتخذ مطية لتشويه الحضارة، وتزييف المنجز الحضاري، ما يجعلها أمام مسؤوليات جسيمة أمام الإنسانية والتاريخ.تعيد شبكات التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها الذكية -دوريا ومنسباتيا- إعادة استذكار الأحداث والذكريات والمواقف، فتثير الشجون؛ وتدعو المرء لمراجعة تلك الأحداث بمنظور مختلف مشبع بالتجارب، والمرارة وبعض الفخر بالإنجازات، فيتم مشاركتها في كثير من الأحوال دون وعي، أو وعي سطحي؛ ويعتبر استعادتها حدثا معزولا عن سياق التراكم والبناء الذاتي للشخصية والإنجاز، ما يضيع فرصة تاريخية للتطوير الذاتي، وانعكاس ذلك التطوير على تقدم المكون الجمعي. إن الوسائط بآلياتها المتعددة، والتطور الرهيب في توظيف تقنياتها لصناعة “ذاكرة موازية” لا شك أنها لا تجيء من ابتكار أفكار تنافسية عفوية معزولة، بقدر ما تأتي ضمن مشروع متكامل ومنظومة مدروسة نحو إعادة تشكيل الذاكرة، وتوجيه الأمم، فالذاكرة الفردية والجمعية هي التي تصنع الفارق، وتمنع الاستيلاب وتقوي المناعة الحضارية.
خبر الهدهد: ولادة متعسرة..