كيف تكتشف ماهية بيئتك صالحة؟ أم لا؟ كيف تعالج معوقات نجاحك؟ ماهي أدوات النجاح التي قد تساعدك على المساهمة في إنجاح بيئتك؟ كيف تعرف أنك تعمل أو تعيش في بيئة صالحة؟ كيف تستفيد من التجارب وتعيد تقييم المواقف والقرارات والاتجاهات؟ وباستمرار. كيف تعيد التخطيط من جديد وبشكل قد يختلف عما سبق؟ البيئة هي محيط الإنسان الذي يتأثر الإنسان بها ويؤثر فيه. والإنسان بطبيعته كالوعاء قابلٌ لأن يحتوي أي شيء وكالعجينة قابلٌ لأن يتشكل بأي شكل، وهو بطبعه يتأثر بكل ما حوله من مؤثرات كالعادات والتقاليد والعرف أو ما يُسمى بالبيئة الاجتماعية، وهناك بيئة العمل أيضًا التي يجب أن تتوافر فيها عناصر النجاح حتى تسمى بيئة ناجحة. تولى أحدهم منصبًا هامًا كرئيس ومدير تنفيذي لإحدى الشركات وكان عدد موظفيها حينها 60 موظفًا وقد قام هذا الرجل بإحداث فارقًا هائلًا في تلك الشركة بأن تخلص من الأقسام الكبيرة غير المنتجة في الشركة، وأعاد هيكلتها لتكون عبارة عن فرق عمل أصغر وأكثر ذكاء، ثم شجع فرق العمل لتدير مهامها بنفسها، مثل أقسام المشاريع، مما جعلها جاهزة للتكيّف وتغيير توجّهها استجابة للأفكار الجديدة. وكانت النتائج مبهرة فمثلاً تضاعف عدد الموظفين أكثر من 41667 مرة ليصل عددهم إلى 250 ألفًا خلال سنتين فقط، كما أصبحت تنتج خمس منتجات بدلاً من منتج واحد فقط. إضافة إلى أنها تعاقدت مع شركاء جدد أقوياء، كما أنه أحدث تغييرات هائلة في الهيكل الإداري الذي كان يعج بالفوضى والروتين المعطل والتسيب واللامبالاة، أحدثت هذه التغييرات التي أجراها صدمة حيث لم تعد الشركة بقيادة الإدارة وحدها، وأصبحت تقاد من قبل مختلف المديرين، بل وصل الأمر أن كل قائد مجموعة أصبح من أبسط مهامه أنه يستطيع اتخاذ القرارات بمفرده وإن استدعى ذلك تجاوزًا لبعض الرؤساء أحياناً، وكان للأرقام الحكم الفصل في إيجابية اتخاذهم للقرارات أو سلبيتها.
تقول إحدى المحاضرات في الدراسات القيادية والتنظيمية أن “الحنكة ليست رشاقة ذهنية. في الحقيقة إن مستوى ذكائك يفرضه كيفية تعاملك مع الآخرين”، أي أنها سلوك مكتسب. أحيانًا من الحنكة أن يتم تحطيم بعض القواعد مع ضمان وجود دراسة مواكبة لها عن المخاطر المترتبة عن ذلك وأن يتم إعادة كتابة قواعد تقييم المخاطر، واستبدال تقييم تلك المخاطر بجدول يعدد المخاطر والفوائد معا، وأن يتم إعلام وإشراك فريق المديرين بها وبسرعة، إن تجاوز بعض الحواجز ليس عادةً من الأمور السيئة، بل أنه من الحنكة دائمًا أن يدرك صانع القرار أنه يجب عليه الانتباه جيدًا لكيفية معالجة الإخفاقات التي قد تحدث، وأن عليه أن يقوم بتحويلها إلى تجارب للدراسة والفحص بتأنٍ وصبر، والاستفادة منها للاعتماد عليها مستقبلًا بشكل إيجابي لتلافي الأخطاء وعدم تكرارها ومحاولة القضاء على أسباب ضياع الوقت. إن صناعة القرار بنجاح وفي وقت قياسي قصير هي شكل من أشكال الإبداع، وقليل جدًا يمكنه فعل ذلك وهم القادة العظماء وصانعو القرارات التاريخية، ولو احتاج كل قرار إلى موافقة كل المديرين الذين يجب أن تؤخذ موافقاتهم لما تم إنجاز الأمر، الحل إذن هو: العمل على اعتماد الهيكل الإداري الأفقي. إن فكرة التغيير تتبلور على أن الموظفين العاملين في شركاتٍ أو مؤسسات حكومية أو خاصة “ربحية” أو “لاربحية” والذين تتوفر فيها بيئة عملٍ مناسبة يتمتعون غالبًا بالنّشاط وكثرة العطاء وزيادة الحافز لديهم، فبيئة العمل هي كلّ الظّروف المحيطة بالعامل في مكان عمله أو في وقت عمله من ظروفٍ مكانيّةٍ أو زمانيّةٍ أو معنويّةٍ أو ماديّةٍ. يجب أن يكون مكان العمل ملائمًا وتتوفّر فيه كل الأدوات والوسائل والأساليب والخدمات للموظف فيعطي أفضل ما عنده من الجهد، وقد يكون مكان العمل سيئًا لا تتوفر فيه أدنى متطلّبات الرّاحة فتجد الموظفين والعاملين يتّسمون بالخمول وقلّة الحافز وضعف الإبداع، وهناك العنصر الزّمنيّ أي الوقت فقد يكون الدوام طويلًا مرهقًا لا يتحمّله العامل فيقضي ساعاتٍ طويلةٍ في عمله وعند ذهابه للبيت لا يكاد يحصل على القسط الكّافي من الرّاحة والنّوم فيؤثّر في إنتاجه، وربّما كان الوقت مناسبًا وساعاته مناسبة فتريح الموظف وتحفّزه للعمل والإنتاج، وأخيرًا هناك العوامل الماديّة والمعنويّة التي تسهم إسهامًا كبيرًا في توفير البيئة المناسبة للموظفين والعاملين، فعندما يكرّم صاحب العمل موظفيه بأن يصرف لهم مكافأةً أو زيادةً على راتبهم في نهاية كلّ سنةٍ يكون ذلك حافزًا لهم، وعندما يشكرهم على أعمالهم شفهيًا أو كتابيًا يكون ذلك أيضًا دافعًا لهم ومحفزًا، فكل تلك العوامل تسهم إسهامًا كبيرًا في تحسين ظروف العاملين وزيادة نشاطهم وكفاءتهم .
وقد رأينا إحدى الشّركات الكبيرة النّاجحة على مستوى العالم “قوقل” وهي توفر أماكن للتّسلية والترفيه لموظفيها وكأنّهم يستجمون على شواطئ رائعة أو يقيمون في فنادق فاخرةٍ، ويتناولون أفضل الطّعام والشّراب، وهذا من حسن إدارة تلك الشركات التي تدرك معنى الاستثمار في قدرات العاملين بتحسين بيئة عملهم وتحسين نفسيتهم وتطويرها بتوفير أماكن التّسلية فحين ينتهي الموظف من عمله وهو يدرك أنّه مساءلٌ عنه ومحاسب عليه، ويدرك أنّ من وراء عمله راتبًا جيدًا ومكافأةً ، كلّ ذلك يكون دافعًا له فلا يستغل وقت الرّاحة والفراغ بشكلٍ سييءٍ . كما أن غياب روح الفريق الواحد بين الموظفين هي مسؤولية مباشرة تقع على عاتق القادة أو صناع القرار، والذين يتوجب عليهم أن يقوموا أحيانًا بتلقينهم عن كيفية الاستجابة وبسرعة للأفكار الجديدة، وحثهم على الابتكار وتقديم مقترحات جديدة والعمل على إفساح المجال للتعبير عن طريق اتباع سياسة “الأبواب المفتوحة”، واستبدال الاجتماعات المملة إلى جلسات تثير الأذهان، ولا ننسى أيضًا قرب صانع القرار من الجميع. يجب أن يكون صانع القرار أكثر نباهة، ويعلم أن الإخفاقات قد تكون أكثر من النجاحات لكن الجميع يدرك تمامًا ألا أحد سيعاقب على اجتهاده، فإذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ له أجر واحد، ولكن هناك شرط واحد وهو أن يجتهد في عمله، ويجعل نيته خالصةً لله وحده ويحاول أن يحث الخطى؛ ليقوم بالتصحيح والتعديل ويمارس التغيير المستمر، والإصلاح والتحسين والتطور والتطوير المستمرة.
وقد وضع ديننا أسسًا لبيئة العمل النّاجحة فلا تكليف للعامل بما لا يطيق من العمل، وأكدّ على كرامة العامل وحقّه في أخذ أجره بدون تأخير، بقول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه، وكذلك اعتبر من بات كالًا من عمله “بات مغفورًا له” .
كلام رائع لا فض فوك أخي فوزي وللأسف فعلاً نحن نفتقد لأسباب النجاح في بيئتنا ولكني أرى أننا بدأنا نتغير للأحسن.
للأمام أن شاء الله وهذه المقالة الثالثة التي أقرأها لك وأعجبتني بصراحة وأتمنى أن تستمر في الكتابة في المواضيع الهادفة والتي تساعد على بناء مجتمعنا ونمائه.