نصيبي من تفاصيل علم الاقتصاد ليس بذاك الذي يؤهلني لتحليل بنود الميزانية الواقعية المستقبلية لبلادنا المباركة، وسأكتفي بالتفاؤل مع المتفائلين، وعدم مصارعة السابحين ضدها، لإيماني بقيمة هذا التخصص الدقيق.. هنا سأحصر مقالي -غير الاقتصادي- عن الموازنة، في التأكيد على ضرورة فهم الواقع، وضرورة التفهم الوطني للمسؤولية العامة لكل واحد منا، وأن نبني تفاعلاتنا على أمور كثيرة، في مقدمتها الترشيد، والحرص، والتخطيط، وكلها أضلاع لمثلث واحد، يمكن أن أسميه (مثلث التدبير)، أو (مثلث التدبر)..
مسألة التدبير من المسائل الضرورية في حياة الناس، وليست مسألة عرضية، بل هي من المسائل العلمية العملية التي يحتاج من يريد إتقانها إلى التخطيط في كل أموره المعاشية، ووضع خارطة طريق خاصة به، فلا يمكن لكل إنسان في كل وقت أن يحصل على كل شيء يتمناه لنفسه، أو لمن يحب، بل لا بد من وضع ترتيب للأولويات، وفق الأهم فالمهم، وليس مثلا بتقسيط أكثر من نصف الراتب، ونحو ذلك من اقتراضات وغيرها.. البعض يظن أن الإنفاق مرتبط بالمال، والحقيقة أن الإنفاق ليس مرتبطا بوجود المال وعدمه، بل هو أمر مرتبط بالسلوك، فحكم الإسراف والتبذير واحد، لا يختلف في ذلك الفقير ولا الغني، وهنا لا بد لكل أسرة أن يتصارح ويتشاور أفرادها في موارد الدخل، وأبواب وسياسات النفقات والصرف، وأن تقوم فيما بينها بتقوية القيم المالية العامة، ومن أهمها أن الحياة أكبر من مجرد جمع للمال، وأن الاستغناء عن الكماليات مطلوب، والبحث عن طرق أخرى لزيادة الدخل ضروري.
من الأحاديث النبوية الصحيحة المناسبة لموضوع المقال، قوله صلى الله عليه وسلم: “السَّمْتُ الْحَسَنُ، وَالتُّؤَدَةُ، وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ”، -(الاقتصاد) هنا بمعنى التوسط وحسن التدبير، وبمعنى التوسط بين المحمود والمذموم، وبين الأفعال ذات النقيضين؛ كالجبن والتهور، والإسراف والبخل-، ومن المأثور عن السلف قولهم: “التدبير نصف المعيشة”، و”الاقتصاد نصف المعيشة”، و”من اقتصد أغناه الله”، و”ما عال من اقتصد”، و”لا عقل كالتدبير”، وأضاف الخلف -باللغة الدارجة-: “اللي ما عنده تدبير؛ بدل الحب يأكل شعير”..
شخصيا كنت وما زلت أتمنى (تحرير) الأسعار التي زيدت، بدلا من (تحديد) سعر ثابت، لحيثيات كثيرة، منها أن الوعي الاستهلاكي سيزيد، واليقظة ستستمر، والتنافسية بين أصحاب الأموال ستتعزز، وستصب في مصلحة المستهلك، وسيكون للتسعير المتغير (شهريا) تأثير مباشر على القوة الشرائية للناس، والترشيد المأمول، خاصة أن هذه الآلية ستكون وفقا لأسعار الوقود العالمية، ولا مانع من أن تزيد شهرا، وتنقص شهورا، لأن الاعتماد هنا سيكون على (المهارة) و(التفاؤل)، وبدون الثاني بالخصوص لا تستقيم الحياة.
وأختم بكلمات سيدنا علي زين العابدين بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم: “اللهمَّ احجبني عن السرف والازدياد، وقوّمني بالبذل والاقتصاد، وعلّمني حسن التقدير، واقبضني بلطفك عن التبذير”.
الله يعطيك العافيه يا سيد على الايضاح والايجاز …الله يزيدك علما واسلوبا راقيا واخلاقا راقيه