استبشر المواطن بميزانية الدولة التي صدرت يوم الاثنين 28/12/2015م؛ لتعلن عن متانة وقوة الاقتصاد السعودي الذي لا تهزه رياح المتغيرات الخارجية ولا التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية، فعلى الرغم من تراجع النمو الاقتصادي العالمي عن مستوياته وانخفاض أسعار البترول وغياب الاستقرار في بعض الدول المجاورة.. إلا أن الاهتمام بالمواطن جعله الملك سلمان -حفظه الله -من أولى أولوياته؛ حيث جاء ذلك في كلمته للشعب لإعلان الميزانية العامة للدولة للعام 2016م، وهي كلمة مقتضبة في عباراتها وخطط استراتيجية في مضامينها. فإعطاء الأولوية لاستكمال تنفيذ المشاريع المقرة في الميزانيات السابقة يعني: الاهتمام بمشاريع تهم المواطن وتعمل على توفير الحياة الكريمة له، وهي استكمال لمشاريع السكن، والطرق، والمواصلات، والصحة والتعليم.. وكذلك مشاريع القضاء على الفقر والبطالة.. فهي مشاريع مُقرة سابقًا، ولكنها لم تُكتمل بعد… وقد أكد على ذلك في جملته اللاحقة، فقال: “وجهنا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالعمل على إطلاق برنامج إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلة شاملة”. فإصلاح الاقتصاد السعودي وإعادة هيكلته ضرورة ملحة لتحسين إدارة الأموال ورفع الجمود الاقتصادي لتسير وفق حركة استثمارية يجني منها المواطن الخير الجزيل، كما ركز في كلمته على استراتيجية أخرى بالغة الأهمية، وهي: “مراجعة منظومة الدعم الحكومي والتدرج في التنفيذ لتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر”. وهذه السياسة تتطابق مع خصائص الاقتصاد الإسلامي الذي يقوم على ترشيد الاستهلاك والإنفاق وفق المتغيرات الطبيعية والاجتماعية والسياسية، وهو كما جاء في قصة ملك مصر والرؤيا التي رآها بالمنام: {إنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} (يوسف الآية 43)،وقدجاءتفسير يوسف عليه السلام من حكمة الترشيد في الاستهلاك لمواجهة خطر المجاعة القادمة {..فَمَاحَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّاقَلِيلًا مِّمَّاتَأْكُلُونَ} ( يوسف الآية 47)، فكان لابد من تعاون الشعب في الترشيد من الاستهلاك وتجنب الإسراف؛ لأن تحقيق المصلحة العامة للأمة يتطلب من الجماعة المسلمة التكاتف لترشيد الاستهلاك لمعالجة الخلل الاقتصادي. فمن الطبيعي أن تمر الأمم والبلاد عبر التاريخ بأزمات اقتصادية، وتُوضع لها الخطط القويمة لمعالجتها ومواجهة التحديات التي تحدق بها، وهذا ما جاء في الميزانية برفع أسعار البنزين والكهرباء والماء.. وهو ارتفاع طفيف لن تتأثر به 87% من الفواتير بتعرفة الكهرباء الجديدة. كما اتضح أن ارتفاع سعر البترول هي نفس أسعار البترول في عام 2006م، أي قبل زيادة الرواتب، وكانت عادية بالنسبة لنا؛ بل إنها تعتبر الأسعار الأقل عالميًّا، وهي 40% أقل من الأسعار المقررة بدول الخليج العربي وأقل مما يصرفه الفرد على فاتورة الاتصالات والذهاب للمطاعم والكافيهات والصرف على السفر والرحلات.. وبقية الكماليات. حقيقة نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، وقد أُغرقنا بالنعم منذ خمسين عامًا حتى أننا لم نعد نشعر بقيمتها – وخاصة الأجيال الجديدة – التي لم تعش زمن الفانوس والزير.. وأعتقد اعتقادًا جازمة أنه حان الوقت لأن نغير من سلوكنا الاستهلاكي، والذي اعتمد على الهدر في استخدام المياه والكهرباء والمواصلات باستخدام السيارات الفاخرة لكل فرد من أفراد الأسرة والذهاب ربما للعشاء من مدينة لأخرى مرتين أو ثلاثة في الأسبوع.. بل لابد من المحافظة على الموارد الطبيعية الوطنية التي حبانا الله بها، ونعمل على ترتيب الأولويات في الإنفاق. وليس المواطن وحده هو المسؤول عن هذا الترشيد في الاستهلاك، فلا بد لأمانات المدن إتباع سياسة الاقتصاد في الإضاءة للطرقات بين المدن، فإما أن تلجأ إلى تقليل الوحدات الكهربائية واستخدام المصابيح الموفرة.. أو استخدام الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية في تشغيلها.. وكذلك في وسط المدن والأنفاق .. فوالله بعض الأنفاق مثل نفق كبرى التحلية الجديد في جدة به من الإضاءة ما يجهر النظر…‼أليس هذا من الإسراف في استخدام الطاقة؟ وقس على ذلك بقية أماكن الإضاءة في المدن والإعلانات وغيرهما. لو طبقنا معادلة كلما زاد الترشيد زاد الدخل.. لحافظنا على ثرواتنا الطبيعية للأجيال القادمة من أن تنضب ولحققنا ميزانيات عالية للأيام القادمة.. فرأس مالنا الحقيقي هي: القيادة الحكيمة ونعمة الأمن والاستقرار والمواطن الواعي؛ فلنتحد لنكون القوة المحركة لمستقبل أجيالنا.. فبالشكر تدوم النعم.
فاتن إبراهيم حسين
جزاك الله خير..نسأل الله ان يحفظ بلادنا مواطنين وحكام وامنا و اقتصدا..وان يسخر لها ملائكة السماء والطيبين في الارض ويصرف عنها شر كل ذي شر