ما بعث نبي برسالة التوحيد إلّا وحذّر قومه من الغلو في الدين وغيره ، والأقوام التي انحرفت عن الجادة إنما بسبب الغلو أو التهاون ، وقد حذّرنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الغلو في أحاديث كثيرة ، وقد بعث عليه الصلاة والسلام مكملًا ومتممًا لمكارم الأخلاق ومحاسنها، والعرب اشتهرت في سالف عصرها وأوانها بالكرم ، وقد امتدحت هذه الصفة على مرّ السنين ، ولكن ينبغي أن نفرّق بين كرم لكسب الشمائل ودفع غوائل الجوع ، وبين كرمٍ للشهرة والجحود . لا شك أنّ العربي المسلم يعلم يقينًا مسببات زوال النعم ومداها القصير ، فقد سمعنا أن بالشكر تدوم النعم ، لا بالتبذير والبذخ المفرط ، ونحن جيل نشأ على شيء من الاكتفاء الذاتي من الملبوس والمأكول والمشروب ، ولكن الأجيال التي سبقتنا – الأباء والأجداد- حدّثونا عن قصص يشيب لها رأس الوليد ، وكثير من سكان الجزيرة العربية هجروها إلى أصقاع الدنيا ، ركبوا البحار وأهوالها ، وقطعوا الفيافي ومفازاتها، وصعدوا الجبال بمشقاتها ، ونزلوا الأودية بمخاطرها ، لأجل ماذا ؟ من أجل الحصول على ما يسدّ الرمق ، وهناك أمثلة حيّة يحكيها من ذاق مرارة الجوع ؛ حتى أكلوا -أكرمكم الله- الجيف بعد أن قضوا على الشجر والمدر . ويحكى أنّ الصومال كانت ترسل زكاتها -قبل ما يقارب مئتي عام – إلى الجزيرة العربية بعد أن أفتى علماؤها بذلك ، ويحكى أنّ أهل العراق يتبجحون بأن الفقر لا يعرف لهم طريقًا ، وأنّ أهل الشام كانوا يدوسون على النعمة بأرجلهم ، ويمسحون مناضدهم من الغبار بالخبز ، فماذا حلّ بهؤلاء الأقوام ؟ إنهم كفروا النعمة وأهانوها فرفعها الله عنهم ، والناظر لأحوالهم اليوم يحزن عليهم ويعتصره الألم ؛ بل إن علماءنا -حفظهم الله – أفتوا بتعجيل الزكاة لهم . فهل من متعظ ؟ لا أريد أن أسهب في سيرة خير البشر وجيل الصحابة وما لاقوه من مشقة في العيش ، وهم صابرون محتسبون ، فقد ربطوا الحجارة على بطونهم من الجوع ، وخرجوا ليلًا لا يخرجهم إلّا الجوع ، كل ذلك ونحن في غفلة مميتة . طبيعة الجزيرة العربية تنبيء بدق ناقوس الخطر ، فهي صحراء قاحلة ، يأتيها رزقها من أقطار العالم ، ولا يوجد لديهم اكتفاء ذاتي من الزراعة ولا الرعي ، ومع ذلك مظاهر البذخ تطل علينا كل يومٍ بصورتها البشعة التي تنذر بقدوم العقاب ؛ نعم رأينا أكوامًا من الأطعمة تجاور صناديق النفايات بعد أن ضاقت بها الحاويات، رأينا الصواني التي تنوء بحملها العصبة وقد امتلأت من بهائم الأنعام ، رأينا أطنانًا من الفواكهة تعلو بعضها البعض ، وكل ذلك فائض عن حاجة الضيوف ، رأينا الرجل يقدّم لضيوفه خروفًا لكل واحد منهم ، رأينا معدات الطرق التي صممت خصيصًا لفتح الطرق وإزالة الصخور ، رأيناها – للأسف – تنحني على أطنان النعمة من الأرز واللحم والفواكه لطمرها أو رميها بعيدًا عن أنظار النّاس ، ونسوا أن عين الله ساهرة لا تسهو ولا تنام ، رأينا من يغسل أيدي ضيوفه بدهن العود ، رأينا من ينثـر الهيل على الأرض استعراضًا للكرم ، رأينا من يكب العسل كذلك ، رأينا وسنرى من هؤلاء السفهاء الحمقى الكثير والكثير حتى يمحق الله النعمة والبركة ، هؤلاء فسقوا في الديار لأنهم مترفون ، لم يراعوا دينًا ولا عرفًا ولا شيمة ولاقيمة ، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ولذلك لي بعض الوقفات ؛ هؤلاء إمّا أناس يعيشون بعيدًا عن واقع الأمة ، أو رانَ الشيطان على قلوبهم وزيّن لهم سوء أعمالهم فلم يعودوا ، أو أنهم بعيدون كل البعد عن الدين الحق ، لأنه كفر للنعمة وبالنعمة ، ولذا وجب على ولاة الأمر ردع هؤلاء مهما كانت مكانتهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذّر ابنته فاطمة – رضي الله عنها – بأنه لا يغني عنها من الله شيئاً ، وهي ابنته ولها من المكانة ما لها ، فما بال هؤلاء القوم لا يفهمون ؟ هل نترك هؤلاء يعبثون حتى تحل الكارثة بنا ؟ أين النصح والإرشاد ؟ أولئك القوم لا يفهمون إلّا بموازات صنيعهم ؛أي ربما لو ترك من يفعل ذلك في أدغال أفريقيا شهراً كريتًا لربما ارتدع ، ولو تتبعت الحكومة مصدر هذه الأموال لكانت الأمور أكثر انضباطًا ، ولو قُنّــنَ إخراج الزكاة من قبل الدولة لكان أقدر وأفضل، ولو زج بهولاء في خدمة المجتمع لكان أولى ، ولو شهّر بهم في الإعلام لأنهم مفسدون لحسن الحال ، ولو ترك الحبل على الغارب لبالغوا في ما يسمى كرمهم المزعوم حتى نرى غلوًا لا تحمد عقباه ، فربما قرّب أحدهم ابنه الصغير – الجذع- الذي لم يبلغ السابعة أو الثامنة قربانًا لضيفه ، فيتبعه سفهاء القوم تقليدًا وغلوًا وارتفاعًا ، وربما يبلغ بهم الحال أن يمتشق أحدهم سكينه ويبقر بطنه أو يفري أوداجه ليتعجل للجحيم ويترك الضيف في هول المشهد .
2
بوركت يا دكتور في الطرح الرائع ، ولنا العبرة في ثمود قوم صالح إذا نظرنا لقاتل الناقة شخص واحد والمحرضين ٩ رهط ولكن على من أُنزلت العقوبة ؟ لقد عوقب ثمود أجمعين.
نسأل الله ألاّ يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .
حغظ الله لنا هذه الاقلام التي تسعى لكسب رضى الله قبل كل شي وهنا اشكرك يادكتورنا على هذه السطورالتي تحذرنا من هذه الظواهرالتي تنم عن عقليات متخلفه لا تدرك مدى احساس الفقير والمشرد من دياره والذي لا يجد قوت يومه ولم يعتبر البعض من الطفل السوري الذي دنى من الكلبه لكي يسد جوعه بحليبها اين نحن من هؤلا المساكين واين نحن من مجاعة افريقيا التي فتكت باقوام وامم من الجوع الى الله المشتكى ولاكن لانقول الا …اللهم لاتؤخذنا بما فعل السفهاء منا…