حينما كانت صفحة بداية ميلادي تُكتب .. وكانت طلائع فجري تُشرق ..وكانت أول خيوط النور تطوف في عينَي .. وأول صوت صارخ ينطلق من جوف حنجرتي. . ليعلن قدومي إلى العالم التالي الوجل.. !! بعد مكوثي لوقت معلوم في العالم المعتم الآمن.. !! كانت مسامعي تستقبل ترانيمَ الحقِّ وصادق الذكر..وفرحة المقربين من حولي وابتهاجاتهم وتهانيهم.. لمن يهمه أمري. .ومسقط ذاتي ومحورفكري. .وعنواني الدائم. . فللمولود عموماً. . فرحة لاتوصف ..وذكرى لاتنسى.. فلكل جديد بهجة. .ولكل قادم مرحِّب ومبارك ومتطلع.. وهذه سنة الحياة وطريقتها. .ترحب بما هو مشوق للنفس.. حديث على النظر. .باهي المنظر. .
وكان قدومي سعادة مقرونة بالألم. .أي سعادةمبنية على مشقة وإكراه وعذاب لأغلى مافي الكون حبا وحنانا وعطفا ورحمة..! فكأنني أجازي الإحسان بالنكران..والطيب بالأذى.. والمعروف بالجحود.. لله درك يا أمي. . لله درك يا أمي. . ولذلك كانت الجنة تحت أقدام الأمهات. .ولذلك كان نصيب برها ثلاثة أضعاف وافية..ولذلك لم أكن أود هذا الألم المميت لها.. ولم أكن أبدا أتمناه. . لوملكت أمري. .!! ولكن هكذا هي الأقدار تُقدَّر..وهكذا هي الأقدار تصير. . فكان الحمل بداية عنوان سعادة بطعم الموت..وكان الوضع فرح بعمق ألم هادم اللذات. .والفِصال بداية نهاية زمن رضيع .. ضعفه قوة. .وقوته ضعف. .!! يتلذذ مرات.. ويتبسم مرات ..ويمتعض مرات أكثر..!! ومن ثم يتبعها بدايات أخرى لأزمنة من وجود الإنسان في حياة ذات كبد وشدة ..!!
وسطرت صفحة بعد صفحة..سعادة تبنى وتشيد هاهنا. . مقرونة بالغرور لدنيا خضراء..ثم ماتلبث وتهدم بالجزع والسخط هناك. .!! نتغافل أنها قصيرة مؤقتة غيرلائقة.. ونغلق أبصارنا عن الحقيقة. .ونقفل مسامعنا عن الحق. . ومرد ذلك الأمل الطويل. .الأمل الذي نود ألا ينقطع أبدا. .ولا يتوقف دوماً. .ياللنفس الغرورة..تعجب بالخيال والأساطير والمستحيل. .!! وتطرب لأحاديث ..الوهم والزيف والسراب. . وتتغاضى عن اليقين البين .. والإيمان الخالص والاعتقاد الظاهر. . تتقاضى عن البيان الصادق..والكلام الموثوق..
غرور في غرور..جلوس في مكان غير مناسب.. وعلى الرغم من ذلك ..جلوس بثمن..!! جلوس مرهق متعب تحيطه الابتلاءات من كل إتجاه.. والعذابات من كل جانب..بل العذابات الدائمة.. حتى يهرم ويسأم ويمل.. ويظل كذلك ..حتى يتمنى الفراق حالا.. !! ويأبى الفراق أن يأتيه زيادةفي الألم والعذاب.. حتى يحدث نفسه الحديث المخفى.. “ياليتني مت قبل هذا”!! فعلاً حياة دنيا. .وبحجم جناح بعوضة..أو أدنى من ذلك.. وبعد ذلك كله.. يأتى وجه جديد لا يتعظ بغيره. .مرددا “عيش أيامك ..عيش لياليك خلِّ شبابك يفرح بيك” والسعيد ..بل والموفَّق من اتعظ بغيره.. لا من اتعظ غيره به..
وفقك الله ابدعت
هذه سنة الحياة…..
ما شاء الله تبارك وتعالى
إبداع جميل
جزيت خيرا يا وجيه والرسول عليه السلام قال ( أمك ثم أمك ثم أمك )