المقالات

قراءة في بيان شاعر.. ومشاعر إنسان (2-2)

حينما كتبت الحلقة الأولى استخدمت الأسلوب الذي ينتهجه كثير من الكتّاب المحترفين، ألا وهو أسلوب التشويق، كتقليد من كويتب مثلي لأولئك. وقد حاولت بذلك ألا أكشف عن شخصيتنا، إلا بنهاية السطر الأخير من الحلقة الثانية التي هي بين أيديكم الآن. غير أنه لم يمضِ وقت طويل على نشر الحلقة الأولى إلا وقد عُرفتْ هذه الشخصية، وذلك من خلال ردود بعض القراء، سواء في الرد في ذات المقال، أو عبر الرسائل على الخاص، مما يدل على الانتشار الواسع لنتاج هذا الشاعر، وحبّ شريحة عريضة من القرّاء له ولشعره. * لكن وبما أن ملكية ماأكتبه لم يعدْ كذلك، بل للقرّاء والأجيال والتاريخ، كما ذكرت آنفًا، فلا بد من إكمال هذا الحق. * الطريق إلى عروس الصحراء، الرياض، هل هو روضةٌ للمسافر، أم محفوفٌ بالمخاطر؟! روضةٌ للمسافر من حيث المناطق والمحافظات والهِجَر الجميلة التي يمرُّ بها عبر الطريق الأفعواني الذي يشقّ الصحراء وصولاً إلى العروس، وأمّا أنّه محفوفٌ بالمخاطر، فتلك قصص أخرى تعرفونها من خلال القصة المأساوية شبه اليومية عن ضحايا هذا الطريق. * تُرى هل مازالت هذه الرياضُ رياضًا تؤوي القادم من لفح الهجير، فتمنحه الراحة والرواء؟!، أم أنّها أصبحت وحشًا تبتلع غاباته الإسمنتية الممتدّة في جميع الاتجاهات كلّ من يحاول العيش في أحضانها، أو يقدم خاطبًا ودّها؟! * إن مجرّد التنقّل من حيّ إلى حيّ آخر يُعدّ سفرًا محفوفًا بالمعاناة بحدّ ذاته. لكنها على أي حال لم تختلف كثيرًا حاليًّا عمّا كانتْ عليه قبل أكثر من ربع قرن من الزمان، سوى أنّها أصبحتْ تحوي غابات إسمنتية، لم تستطع إحصاءها حتّى “الأمانة”، بدلًا من أن كانت تحوي تلك الكثبان الذهبية! * فإذا مايمّمت وجهتك في حدودها الشمالية، والشمالية الشرقية، والشمالية الغربية؛ فستجد تلك الكثبان التي لازالت تروي حكايات السمر البريء بعيدًا عن أجواء الاستراحات المغلقة. ومع ذلك فإن الاستراحات تحاصرها من كل مكان. عدا ذلك فلم يتغيّر شيءٌ كثيرًا، فلا زالتْ تحوي بين جنباتها أناسًا هم من معالمها، وإن تباعدتْ مسافات الوصول إليهم، ومن الصعوبة بمكان أن تأتي إلى الرياض دون أن تزورهم، وهذا ماحصل مع شاعرنا في الموعد الّذي حدّده في حدود الساعة، قد تزيدُ قليلًا، ومابين رغبتنا في أن يلحق بطائرته، ولقائنا به، كان خوفنا يتجسّد في نظرات زميلنا، الذي يقود مركبتنا، الموزّعة مابين الطريق وعدّاد السرعة الّذي فرضه “ساهر” بألا يتجاوز (70كم) وفي أكثر الشوارع وسعًا وسلاسة. * نسيت، أنّ هذه من الأشياء الموحشة التي غيّرت الرياض كثيرًا، لكن بالمقابل ماذا كانوا سيصنعون لمجابهة سيل حوادث القتل بدل النقل؟!، وتلك قصّة أخرى أيضًا. * أمام مكتبه الأنيق المتواضع كان بانتظارنا هذا المتواضع الأنيق، واستقبلنا هاشًّا باشًّا مرحبًّا مسهّلًا كعادته، وفي مجلسه العربي الأصيل، الملحق بمكتبه، كانت القهوة العربية الأصيلة رمزًا للكرم العربي، والأدب الأصيل هو محور اللقاء. * توافد بقية صحبه الكرام، وكان الحديث وديًّا أكثر منه لقاءً رسميًّا؛ حيث تطرّقنا للأدبِ وهمومه، وللكلمة وأمانتها، وللحرف ومسؤوليته، كما تحدثّنا بإيجاز عن آخر المستجدات على الساحة الإسلامية وهموم الأمة، وسمعنا القليل من الجديد من شعره، وبعض القديم المتجدّد.

 حسنا بقي أن أقول: مابين مكتبة (الأديب)، سابقًا، في شارع (ليلى الأخيلية)، مرورًا بمنتديات (أوفاز) الأدبية، وغيرها من قنواته (الإلكترونية)، وحاليًّا برامجه المتنوعة الفضائية، و(دار مبين) للعناية باللغة العربية، كان، ولا زال، يوزّع وقته، ومعها يهدي ابتساماته، والكثير المفيد المؤثر من قصائده وكلماته. * وما بين (عراء) في أوّل لقاء بين جنبات منزله العامر، إلى (الرياض) في آخر لقاء بين أروقة مكتبه، تداعتْ آلاف الصور والكلمات عن حكايات ينابيع التقدير والاحترام الذي لاينضب؛ فتدفّقت هذه الكلمات لتعبّر باختصار عن هذه القراءة في وجه الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي، ولتحكي عن مشاعر إنسان.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى