وأنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت أنني امرأة شرقية، لذا… غامرت، وجاهرت، وكابرت وحاربت، وظننت أنني انتصرت. أنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت أن المرأة في بلادي تدفن حية فتمشي على الأشواك حافية القدمين، بيدها المقلاع والحجر، وفي خاصرتها رضيع من الجوع يحتضر، وفي رأسها ألف فكرة وفكر تدافع عن أرضها، عن قدسها، عن شرفها، عن عرسها المنتظر، تجوب المدينة، تجوب القفار لتقضي على الصهاينة الأشرار. وتنجب من رحم فلسطين أطفالها الأبطال. أنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت أن الهوى في بلادي هواء فوقفت في وجه الريح أضخ هواك بقلب جريح، وأكشف عن جمالك بالقول الفصيح، وأسعد كلما قالوا لي: إن فتاي من لوعة العشق طريح، وأنه كلما غنت فيروز (عن جارة الوادي) يجترع من صوتها بوح الحمام الجريح. أنا يا سيدي عندما أحببتك نسيت أن الحب، حب تبعثره عصافير نزواتك، فصرت أنثرك بالجنان وأصمُّ أذني عن قول واش أو فتّان فلا أعبأ بما تخبئه الأيام من هزائم وخذلان. ألا يكفي هزائمنا الداخلية، وانقساماتنا العشائرية وخذلاننا أمام أعدائنا.. وانكساراتنا وعدم انتصاراتنا، واستباحة أعراضنا، وبقر بطون أمهاتنا، وقتل الشيوخ في بلادنا.. متى نثأر لانهزامنا، متى نسترد أرضنا وعرضنا متى لن.. لن.. لن يهدر دمنا.. متى نصلي في قدسنا.. حينها سيكون للحب يا سيدي لون آخر، وطعم آخر، أتدري لماذا ..؟ لأنك ستكون رجلًا من النار، منثورًا فوق كل جدار، منتشيًّا بلذة الانتصار توحد الواحد القهار.. أنا يا سيدي عندما أحببتك، نسيت أن السكن في الجبال أسهل من العثور على كلمة صدق، وأن السباحة في بحر هائج أسهل من السباحة في الظن. وظننت أننا سنأكل من زيتون جنين، ومن برتقال غزة، ومن تفاح نابلس، وياقطين يافا وأننا يومًا سنحتضن سور عكا العظيم وننسى الظلم اللئيم، وأيام التشريد والجوع والعطش والعتمة، والأشلاء الملقاة على الأرض.. فوق الجبين، ظننت أنني بحبك سأهشم رأس شارون اللعين.. أنا عندما أحببتك يا سيدي.. نسيت أن بعض الرجال الأدعياء يخونون مع مرتبة الشرف الأولى مقابل حفنة من مال.. خانوا الوطن.. خانوا الأبرياء في أرض الشرفاء.. ساهموا في تخريب الديار. ولكنني أحبك سيدي.. لأنك مع الأطفال ترمي الحجر والمقلاع.. ومع النساء تصنع حزام النار وتدخل وسط الميناء لتستشهد عاشقًا للقدس، للمقدسات، لفلسطين، للأرض والعرض ولكل الشرفاء. حينها أحبك سيدي.. أعشقك سيدي لأنك شهيد الوطن، شهيد الواجب، شهيد الفداء، تذود عن الأرض والعرض وعن كل النساء.
0