التنمية مطلب حضاري، والأمانة واجب شرعي، وتعجب كل العجب عندما ترى بعض المشاريع في أطهر بقاع الأرض تئن تحت وطأة الفساد، فمكة المكرمة حباها الله الطهر والإيمان والأمان، ويقصدها العالم المسلم من شتى بقاع الأرض، وهي واجهة للحضارة الإسلامية، وأعتقد أن الزائر لها يرسم صورًا يعجز العقل تصورها، فيرى فيما يرى أن الشوارع نظيفة، وممهدة، وتخلو من الأوساخ، والمحلات التجارية لا تستغلهم، والفنادق لا ترهق كواهلهم، وسيارات الأجرة لا تعبث بهم، ولكنه -وبلا شك- يُصدم عندما يرى ويبصر، أن كل شيء مما تقدم يحدث عكسه تمامًا، فيتعكر مزاجه، ويتحسر، وينقل الصورة إلى بلاده. ونحن في منطقة مكة المكرمة، حبانا الله بأمير فذٍّ، له من الخبرة الإدارية ما يقارب نصف قرن، اختاره سلمان الحزم مستشارًا له، فجمع بين الإدارة والاستشارة، فهو “ذو الهامتين”، هامة الإمارة، وهامة الإستشارة، ولكن العبث في الطرق وعمليات الجراحة المستمرة، جعلت قائد المركبة يلقي باللوم على المسؤولين؛ بل الراجل الذي يسير على قدميه ضاق بالشوارع ذرعًا، ولا أدري، هل هذه التصدعات المستمرة مقصودة أم لا ؟ .
حكى لي أحد المقيمين كلامًا ظننت للوهلة الأولى أنه يمازحني، وبعد أن أحسنت الظن فيه قال لي: أنتم شعب طيب، ومستغل !! فقلتُ له: الأولى عرفتها عافاك الله، والثانية أحتاج لها توضيحًا، فقال لي: كل مَنْ يأتي لبلدكم لا يهمه إلّا جمع المال، فقاطعته: هذا الكلام مسلّم به، قال: لا تستعجل؛ القادم أهم وأنفع، انقلها عني بأنّ كلّ شخص يراه المقيم يرى أن له الحق في ماله، قلت: كيف ؟ قال: عمّال البلدية يتسولون عند الإشارات حتى الواحدة بعد نصف الليل، والنساء ينتشرنَ في محطات الوقود، وعلى أبواب المطاعم الفارهة بغية العطف، وعمّال الشركات الذين يصلحون الشوارع هم صلب الموضوع، قلت : كيف ذلك ؟ قال: ألا تلاحظ أن الشارع يكون ممهدًا ويستوجب الاستمتاع بالمشي عليه بسرعة لائقة ؟ قلت: بلى، قال: ألم تأكل حفرة أو مطبًا مفاجئًا أثناء استمتاعك بالسرعة ؟ قلت : أي والله، قال: هذه لعبة وحركة لاستنزاف الجيوب، فالذي يرتاد طريقًا لدوامه يوميًا ذهابًا وإيّابًا، تنحل براغي سيارته شيئًا فشيئًا حتى تئن وتتعب فتستوجب العلاج، ومن يعالج ؟ المقيم بالطبع، وقطع الغيار، من عند المقيم، فهذه الحفر مقصودة، كل ذلك وحالة الذهول تنتابني. ولننظر لحال الشارع- الضيق أصلًا- الذي يفتح وتعمل له عملية جراحية معقدة تستمر من شهر إلى اثنين، ونحن نعاني من الحواجز الإسمنتية والحفريات غير المنطقية، ثم بعد ذلك يخرج الجرّاح – بسلامته – ويقول: العملية نجحت بامتياز، فنهلل ونحمدل وترتجّ الطرقات بالتكبير، فما يلبثون غير ساعة فتنتكس الحالة ويدخل الشارع في غيبوبة، وانسداد، ويستدعى الطبيب الجرّاح -المقيم – فيفتح الجرح أقصد الشارع فيتفاجأ بوجود “بوكلين” دفن بالخطأ وخُيّط الجرح فتقرّح وأصيب بنزيف داخلي، وأصيبت الجيوب بشلل رباعي، بانتظار موت الرحمة، فتظل الحالة على ماهي عليه طيلة أيّام السنة، والأدهى يكتبون على لوحة حديدية صدئة “نعمل لإرضائكم نأسف لإزعاجكم“، وهي بعيدة كل البعد عن المبدأ المتخذ.
وهذا نداء لمستشار خادم الحرمين صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة ، نداء لإيقاف هذا التلاعب من الشركات في حياة المواطنين البسطاء، وتتبع الإهمال، والوقوف على الشوارع التي لاتصلح للاستخدام، لما تعانيه من تفطر وتهالك مستمر، قبل العملية وبعدها، والسؤال المحيّر لماذا تكثر الحفريات في الشوارع الضيقة وعند الإشارات والإشارات المتواجد فيها ساهر ؟
صدقت يا أبا عبدالعزيز ، نسأل الله لهم العودة إلى جادّة الصواب