المقالات

( + و _ )

 ( بالناقص ) عبارة دارجة يعبر بها الإنسان عن قناعته بخسارته لشيء كان ذا قيمة أو لعلاقة كانت ذات يوم حميمة، ثم ما لبث أن سلم بالخسارة وأخفى أسفه بهذه العبارة؛ ليبدو وكأنه الكاسب رغم المرارة. أمسكت بقلمي لأخط عبارة ” بالناقص” إرضاءً لغروري في فقدي ما كنت أحسبه ذا قيمة في حياتي، فقادتني العبارة للتفكير المتعمق في أنّ جميع أمورنا في هذه الحياة هي بين هاتين العلامتين : ( + أو _ )، أي بين الزيادة والنقصان. بداية بالإيمان الذي هو سر سعادة البشرية ونعيمها، وهو يزيد وينقص وزيادته تكون بمعرفة الخالق والتدبر في آياته ومخلوقاته وفعل الطاعات. وينقص بالجهل والإعراض عن التدبر في آيات الله، وفعل المعاصي وترك الطاعات. قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ﴾ . وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ ﴾. وعلاقاتنا بمن حولنا من البشر هي كذلك بين الزيادة والنقصان، فكل مولود يهبه الله لنا هو زيادة في علاقاتنا، والصديق الصدوق والحبيب الودود والجيران المخلصين وزملاء الدراسة والعمل الطيبين كل هؤلاء زيادة في علاقاتنا ونماء لمشاعرنا. وكل مفقود يغادرنا نقص لعلاقاتنا سواء كان هذا الفقد اختياريًّا بالغياب لسبب ما، أو إجباريًّا بالوفاة. وكم من الأحبة كانوا بالأمس حولنا وأقرب إلينا من أنفاسنا؛ فنتلفت اليوم ولا نجدهم وبالكاد نتذكرهم. وحتى المال الذي نفني أعمارنا في البحث المسعور عنه، ونتلف أجسادنا في جمعه، ونخسر أعز أحبابنا في سبيل الحصول عليه وكنزه، ونحرم أنفسنا من التمتع بالحياة والعيش فيها ببساطتها بسببه هو أيضًا بين الزيادة والنقصان، وهذه أسواق المال يدخلها الرجل أول النهار وهو من أصحاب الثروات ويخرج منها آخر النهار وهو من أصحاب الفاقة، وأسواق المعادن أيضا بين زيادة ونقصان وما أصاب البترول في الشهور الأخيرة شاهد حي على ذلك، ويكفي أن نذكر قارون الذي كانت تنوء العصبة من الرجال الأشداء في حمل مفاتيح كنوزه وخسف الله به وبداره الأرض، ونذكر صاحب الجنة في قصة أصحاب الكهف الذي أحيط بثمره ﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾، ﴿وأَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)﴾. وطالما بقي الكفن بلا جيوب، فالمال وإن زاد وتضخمت أرصدته فمآله للنقص والفناء مع الأيام. وأخيراً هذه أعمارنا أغلى ما نملك تتناقص مع كل جزء من الثانية يمضي علينا، ومع كل نفسٍ نتنفسه، وما يمضي من أعمارنا يذهب ولا يعود. اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وبارك لنا فيما وهبتنا، يا من لا ينفد عطائه ولا تنقص خزائنه ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى