إن مكة التي تهوي إليها أفئدة الناس من كل أنحاء العالم وبشتى أجناسهم وأعراقهم، هي مسؤولية باذخة شريفة، وقد أحسن الله إلينا -حكومة وشعبًا- أن جعلنا أوفياء لها ولأهلها في القيام بأمرها وأداء حقها وتعظيم مقامها، كما أراد الله وأوجب . وقد سرني مشاهدة لقاء المهندس الشهم الكريم / جمال شقدار في برنامج الثامنة وغيرته المكية غير المستغربة عليه، وهو أحد أبناء مكة البررة الأوفياء . وفي متابعتي لحسابات السادة الكرماء (مبادرة معاد) في مواقع التواصل الاجتماعي لفت نظري حرصهم الدائم على الحديث عن “هوية مكة”، وهذا ما حملني على كتابة هذه المقال .
إن مكة في ذاتها هوية للمسلمين في شتى بقاع الأرض، والذي نفهمه من دعوات مبادرة معاد الكريمة النبيلة أن نجعل هوية للهوية !. وفي حقيقة الأمر وعند تأمل الهوية ومعناها العلمي والمجتمعي نجد أنها الحقيقة المطلقة في الأشياء والأحياء المشتملة على الحقائق والصفات الجوهرية بقصد إحساس الفرد بنفسه وفرديته، وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكياته وأفكاره في مختلف الأحوال والمواقف! فهل نحن في رسالتنا المجتمعية والمكية نبحث عن حقيقة مكة وصفاتها الجوهرية ؟! أم أن هذا مفروغ منه شرعًا وعقلًا ؟! .
إن الكعبة الشريفة والآيات البينات والمشاعر المقدسة هي هوية مكة المحسوسة لكل مسلم ومسلمة في العالم الفسيح، كما أن “الأمن” الذي يجده الداخل للبيت الحرام هو هويتها المعنوية والمتضمن لبقية خصائصه:﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ﴾ هذه الآية خصّت – فيما أحسب- هوية مكة الحسية والمعنوية والتي يجدها المؤمنون في أنفسهم، وتتفق عليها فطرهم السوية وعقولهم السليمة ومشاعرهم النبيلة . إن مكة هي في ذاتها هوية !. ولها ملامح تخرج عن وصف هويتها . وملامحها ما يغلب عليها من ذائقة أهل الزمان وثقافتهم في العمران والمعاش والهيئة . فنحن أهل مكة لنا أن نتغلب في فترة زمنية معينة فنوجد ملامحًا خاصةً لنا نفرضها على مكة ومحياها الجميل المقدس، كما هو الحال لكل أهل الأزمنة السابقة لنا واللاحقة بنا، وبهذا يتجلى لنا الفرق في أن الهوية لمكة (حقيقة وجوهر، حسًا ومعنًا) من الله وحده، وأن ملامحها من أهل زمانها، كالحسناء الجميلة التي أحسن الله خَلقها وخُلقها ثم تتخذ هي لنفسها زينة ولباسًا تحكمه عادة وثقافة أهلها وأوليائها، والأمر في هذا الشأن فيه سعة وحق مشروع، تصنعه القوة والاقتدار.
ولذلك نحن حين ننقاش الملامح، فنحن نناقشها كشأنٍ مكي خالص وخاص بنا أهل مكة، فلا نطرح الأمرَ على أنه شأن يخص كل المسلمين لتعلقه بالهوية !. فلا نخلط بين الهوية التي جعلها الله لمكة وخص بها المسلمين في كل أنحاء العالم، وجعلها هوية لهم يستشعرون بها أنفسهم ويتفردون بها عن غيرهم ويحافظون بها على تكاملهم وقيمة الجماعة المسلمة وسلوكياتها وأفكارها المرتبطة بمكة عبادة وقيمًا، وبين الملامح التي هي رغبة أهل مكة في زمانهم يكسون بها مدينتهم المقدسة، ونعبّر فيها عن ثقافتنا الحجازية الأصلية . ولنا -أهل مكة- بناء ورعاية الملامح التراكمية التي جادت وتجود بها ثقافتنا المشتركة وأوجدتها حضارتنا الإسلامية، في ظل عناية خاصة بالقاسم المشترك القديم والثقافة والمعالم المكية المتوارثة . هذا والله يعلم مقدار حبنا وتقديرنا لكل المواقف النبيلة والمساعي المشكورة في العناية بمكة المكرمة وتعظيمها، والعناية بمعالمها التاريخية التي تحوز فيها مبادرة معاد ومشروع تعظيم البلد الحرام على قصب السبق فيها .
ان البلد الحرام لن يعظم بالاقوال وانما بالافعال وااافعال هى التى تترجم التعظيم ومن التعظيم ان لا نرهب فيها من دخلها او ننفر صيدها او نزيل اثارها وان اردنا عمل اي شي نقدم جانب التعظيم عليه وان نحافظ على اشجارها وجبالها وشعابها وان لا نرفع على الكعبة بيتا شامخا يعلوها وهذا هو التعظيم العملى .