لُجة الأيقونات
منطق الطير: ” ليس من العجيب أن يختلف الناس في ميولهم وأذواقهم ولكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف” – علي الوردي
بت أتوق أن أدخل إلى مجموعة أو صفحة أو فضاء ما في وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي على تعدد تلك الفضاءات في موضوعاتها وأهدافها وغاياتها ومنتسبيها، دون أن تصدمني تلك العبارات المتشنجة والألفاظ الحادة وكم التهم المعلبة والجاهزة والتي يتمحور أغلبها في دائرة الاستغراب والانسلاخ والتخوين أو التشدد والتطرف والرجعية!!!، وما كثُر أو قل من السباب الحاد القادح أو ذلك المتعفف المغلف بالحياء، وشيءٌ من السخرية والتلامز التي تنحو من نقد الفكرة إلى شخصنة الموضوع. ليس المطالب في هذه الفضاءات قطعًا أن لا نختلف، فاختلاف الأفكار والأفهام سنة كونية وحقيقة واقعية لا شك أنها رحمة، لكن اختلاف القلوب وتنافرها إلى حد البغض أو الكراهية من جهة وتمايز المجتمع وتقسيمه على أساس الطرح من جهة أخرى طامة كبرى، لا ينعكس أثر ذلك على البناء المجتمعي والاستقرار الاجتماعي فحسب، وإنما يمتد الأثر لمنظومة الفكر ومحددات وشروط النهضة، إذْ لا يمكن لأمة أن تستنهض طاقاتها بمحاصرة الأفكار ووأدها، مهما بدت تلك الأفكار غريبة وشاذة.
إن الغرابة لا تنحصر فقط في ذلك التناحر حول الأفكار المتضادة، فقد يبدو ذلك منطقيًا وإن كان غير أخلاقي، وإنما العجب أن كثيرًا من الخلاف حول مسائل متفق حولها من حيث المبدأ وفي الجوهر، مختلف في وسمها أو توصيفها، أو في مسائل فرعية منها، غالبًا ما لا تؤثر في سياق المسألة وكينونتها، أو دون ذلك في المسمى؛ من غير هدف ولا غاية إلاّ في الجدال!! فتهدر الجهود وتهدم المنجزات، وتكرس العداوات، ويُعبث بالوقت، والأهم من كل ذلك العجز عن رتق بكارة بنية العقل العربي. لقد بات إيجاد مساحات الاشتراك وقواسم التلاقي في كثير من حواراتنا سواء تلك التي ننكفئ فيها على أنفسنا خلف الشاشات مرتدين أقنعة الشجاعة الوهمية، أو ” face to face” –وجهًا لوجه- بنكهة الصراخ وتشبيك الأيادي فنًا مستحيلاً، بعد أن زاد خواء العقول وضعف النفوس والقابلية للخلاف!! ما حل بنا من تباين حاد في الآراء والأفكار سياسيًا وأيدلوجيًا، ما يحتم علينا استثمار ما تبقى من ود عابر ومجامل ووقتي… لبناء وعي يتجاوز لحظات السكون والصفاء إلى مواسم التشابك والاختلاف.
خبر الهدهد: “هدرة”..
عبدالحق الطيب هقي
مقال في الصميم … أحسنت ، سلمت يمينك
بوركت