من القصص الطريفة التي يرويها الأستاذ أنيس منصور -رحمه الله- ..إن الأستاذ توفيق الحكيم الروائي والكاتب والأديب الكبير..قرأ أن أحد لاعبي كرة القدم وهو دون العشرين قد دفعوا له ثلاثة ملايين جنيه مصري، وعلى الفور أمسك توفيق الحكيم قلمًا وورقًا وراح يحسبها. وخرج من عمليات الحساب هذه بأن جميع الأدباء من آدم عليه السلام وحتى توفيق الحكيم لم يكسبوا ثلاثة ملايين جنيه مصري. ..عاشوا بعقولهم وماتوا بها، ثم جاء من بعدهم واحد يعيش بجزمته فأعطوه ثلاثة ملايين، وهو مالم يحصل عليه جميع الأدباء في كل العصور؛ فهناك أدباء ماتوا من الجوع وماتوا من البرد. .وتعبوا وتعذبوا وأحرقوا كتبهم في الشرق والغرب، وبعض الأدباء كانوا حفاة حتى لو كانت عندهم جزم. ..ويقول الأستاذ أنيس منصور إن توفيق الحكيم كان يطلب مني إذا أرسلت إليه مكافأة عن مقالاته ألا أبعث له بشيك وألا أبعث له بأوراق مالية من فئة المئة أو الخمسين والعشرين.والعشرة والخمسة جنيهات. إنه يريدها من فئة الجنيه ليشعر بها وقد ملأت يديه، وأمتعت عينيه (من كتاب آخر 200 يوم مع أنيس منصور )، ويعلق أنيس منصور قائلا -رحم الله- توفيق الحكيم فقد أذهله أن يكسب (عيل) بجزمته ثلاثة ملايين. .ولم يعش ليرى (عيلًا) آخر يشترونه بما يعادل خمسين مليون جنيه. ..فهذا أكبر من احتمال توفيق الحكيم والعقاد..وطه حسين. وشوقي وكل الأدباء والشعراء على طول الزمان. تذكرت وأنا أقرأ هذه الكلمات المثل الشعبي الدارج. .إن الأدب لايوكل عيشا ….وفلان أدركته حرفة الأدب ..وهي أمثلة تضع اليد على جرح الأدباء والكتاب الذين يعيشون حالات…متباينة من الفاقة والمعاناة.. ولو تابعنا حياة كثير من الأدباء المعاصرين اليوم لوجدنا أن عددًا قليلًا منهم يعيش من الدخول التي تأتيهم من كتاباتهم وكتبهم. أما الغالبية العظمى من الكتاب في مجال القصة والرواية والشعر والبحوث الأدبية؛ فإن عليهم أن يشتغلون بأعمال أخرى إضافة إلى ممارستهم الكتابة حتى يستطيعوا أن يعيشوا، بل إن كثيرًا من الكتاب والأدباء يجدون أنفسهم مجبرين للعمل كمحررين في المجلات الأدبية والصحف أو يقومون بالعمل لدى المؤسسات الثقافية؛ حتى يحصلوا على مايناسب حاجتهم.
وقد قرأت مؤخرًا تقريرًا صحفيًّا يصف حالات البؤس والشقاء الذي يُعاني منه عدد من الأدباء المغاربة الذين يقدم بعضهم على الخلاص من حياة ألبسة التي يعيشها بالانتحار والعياذ بالله. ويشير التقرير إلى أن العديد من الأدباء والكتاب والشعراء يعيشون ويموتون دون أن يتنبه إلى أحوالهم أحد. ومن الحالات المشهورة وضعية الكاتب المعروف إدريس الخوري الذي كتب مرارًا عن حالة الكفاف والمرض والحاجة التي يعيشها العديد من الشعراء والكتاب. وحالة الشاعر محمد اللغماني الذي يمارس مهنة إسكافي التي لاتضمن له حياة كريمة ولاتقاعد يستحقه. …وتطول سلسلة أسماء الأدباء والكتاب العرب وغير العرب الذين يعيشون في غياب أي اهتمام بهم. درجة مؤسفة من شظف العيش وآلام المرض، ومن المؤسف أن الحديث عنهم يكثر ويزيد بعد مماتهم أو حين يكونون في النوع الأخير.
عبدالعزيز التميمي
هذا دليل واضح علی اهتمام المجتمع بإنتاجية الجزم بدلا من إنتاجية العقول ، وتلك نظرة لها مغزی ولا تخلو من الفطنة العربية ، فالجزم مهما أهتميت بها تظل جزما ، أما العقول فإن الإهتمام بها قد يقود إلی مشاكل لا حصر لها .
فعلا معاناه عندما تجد اصحاب الجزم اكثر دخلا من اهل الادب واكثر منهم شهره ولا ادري اذا كانت هذه رساله من الكاتب للأدباء بترك الادب والاتجاه للعب